أميركا والسعوديّة: حلف فاشل.. منذ 30 عاما

أميركا
الخلاف الأميركي السعودي بدأ منذ الثمانينيات، بعد بروز "القاعدة" المتمرّدة على أميركا والنظام السعودي. وما زال يحفر جبل التحالف بإبرة التمايز والاختلاف، الى أنّه بات قاب قوسين أو أدنى من تحويل التخالف الى صراع بين السعودية وأميركا. هنا حلقة أولى من ملفّ أعدّه الزميل وسام الأمين.

بعد فشل العدوان الثلاثي على مصر عبد الناصر العام 1956، ذاك الذي شنّ من قبل انكلترا وفرنسا واسرائيل، ورثت الولايات المتحدة الأميركية الزّعامه البريطانيّة الفرنسية للشرق الأوسط وباتت الحليف الرئيسي لدول الخليج العربي. ومع اشتداد سعير الحرب الباردة بين الجبارين، الولايات المتحده الأميركيّة والاتحاد السوفياتي السابق، وانضمام رئيس مصر جمال عبد الناصر الى المحورالشيوعي معارضا الغرب الداعم لإسرائيل، فإن الدّول الخليجيّة، بقيادة المملكة السعوديّة، وجدت نفسها في الحضن الأميركي لتواجه الثورات الإشتراكيّة العربيّة التي كان يبشّر بها زعيم مصر مدعوما من المحور الشرقي .

نعمت العلاقات الأميركيّة السعوديّة بالازدهار، ومرّت في فترة ذهبيية خلال مرحلة الحرب الباردة بين الجبارين السوفياتي والأميركي. وتمكّنت “أرامكو” من جعل المملكة العربيّة السعوديّه الدولة الأولى المصدّرة للنفط في العالم فعمت البحبوحة أرجاءها وحصلت الطفرة الإقتصاديّة في السبعينيات من القرن محقّقة فائضا اقتصاديا هائلا.

ومع اندلاع الثورة في أفغانستان ضدّ الجيش السوفياتي المحتل بداية الثمانينات، برزت مرحله من التعاون الوثيق بين السعوديّة والولايات المتّحده ضدّ المدّ الشيوعي. فأمدت الولايات المتحدة الثوار بالسلاح، وكان دور المملكة هو تمويل الجماعات السلفيّة الجهاديّة المسلّحة ومدّهم حتى بالخبرات العسكريّة. غير أن هذا التعاون، الذي أثمر انتصارات وأدّى الى انسحاب الجيش الأحمر وهزيمته في أفغانستان، سوف يؤسس لبداية أول أزمة “مكتومة” بين الحليفين عنوانها “القاعدة”: ميليشيا أسامه بن لادن السريّة.

كان من المقرّر مع سقوط الإتحاد السوفياتي وانتهاء الحرب الباردة بانتصار المعسكر الغربي الذي تتزعّمه الولايات المتحّدة أن تمرّ العلاقات الأميركيّة السعوديّة بمرحلة ذهبيّة أخرى، خصوصا أنّ هذا ترافق مع قيام قوات التحالف الغربي بإخراج قوات صدام حسين من الكويت في حرب الخليج الأولى. وكانت المصلحة السعوديّة تقضي بإضعاف صدام حسين وعدم إسقاطه كلّيا كي لا ينفرد بحكم العراق المواطنون الشيعة الذين يشكلون الأغلبية السكانية، مدعومين من حلفائهم الإيرانيين. وتطبيقا لذلك لم يدعم الرئيس جورج بوش الأب ثورة العراقيين الشيعة في الجنوب عام 1991 فانسحبت القوات الأميركية من ضواحي البصرة، فاكّة الطوق عن الجيش العراقي الذي عاود السيطرة على مدن الجنوب مخمدا التمرّد الشيعي فيها بشكل نهائي ومنتقما من الأهالي، مزهقا منهم آلاف الضحايا (أكثر من 100 ألف) وعشرات الآلاف من المشردين الذين هربوا الى إيران ناجين بأرواحهم.

غير أنه وبعد تدمير برجي نيويورك من قبل القاعدة في 11 أيلول 2001، قام الرئيس جورج بوش الإبن بفعل ما لم يفعله الأب: احتل العراق وأسقط صدام حسين مطيحا بالمصالح السعوديّة فيه كعقاب ضمني لها على فشلها في احتواء الجماعات السلفيّة الجهاديّة التي موّلتها ودرّبتها أيام الغزو السوفياتي لأفغانستان، التي خرج منها بن لادن ضاربا البرجين في عاصمة أميركا المالية، ومتسببا بأسوأ مجزرة في تاريخها الحديث مع سقوط أربعة آلاف ضحيّة ومئات من المصابين.

اليوم أصبح العراق ساحة شيعيّة ايرانية بامتياز، فقوي نفوذ الخصم الفارسي في الخليج على حساب السعودي، وقد كان ما أقدم عليه جورج بوش الإبن هو بداية للأزمة الحقيقيّة الأولى، والصامتة، التي حلّت بالعلاقة بين الحليفين التاريخيين.

فمع تفاقم خطر الإسلام السلفي بعد ضرب أبراج نيويورك بدأت أميركا تنظر الى السعوديّة على أنها مصنع لانتاج الإرهاب الإسلامي، وقد حاولت المملكة السيطرة بعدها على تلك الجماعات الجهاديّة وتطويعها ففشلت، وأصبح جهادها يتّصّف بالطابع الفوضوي المعادي للغرب الذي لا يمكن السيطرة عليه.

ومع انتصار الثورات العربيّه في بعض البلدان، وهي مصر وتونس واليمن، ضعف النفوذ السعودي، وانتقلت تنظيمات سلفيّة، من “جبهة النصرة” وغيرها، الى سوريا بعد اندلاع ثورتها مهدّدين بتقويض انجازات الثورة السورية ومنعها من الإنتصار بفعل ما تحمله عقيدتهم السلفية الجهادية من أحكام تكفيريّة ومن مشروع خاص يرمي الى جعل بلاد الشام “إمارة إسلاميّة”. وهذا ما لا يتفق مع طموحات الشعب السوري و مبادىء الثورة السوريّه، ويتعارض مع تطلعات المجتمع الدولي، ومع مصالح السعودية استطرادا، الطامح الى إقامة دولة سوريّة حديثة ما بعد نظام الأسد، تستند الى مبادىء الديموقراطيّة وحقوق الإنسان.

هنا برزت الأزمة الثانية السوريّة، بعد العراقيّة، بين السعودية وأميركا، وظهرت بشكل علني وحالت دون الاتفاق على مصير ما سوف تؤول إليه الأوضاع في بلاد الشام. فبينما ترى الرياض في سوريا تعويضا لها عن انكسارها في العراق، وأنّ الاطاحة بنظام بشار الأسد بشكل عاجل هو الطريق الوحيد لتعديل التوازن الجيوسياسة بينها وبين ايران، ترى واشنطن أن من مصلحتها عدم الركون الى ذلك، ولا تطمئن الى تسليم حلفاء السعوديّة السلطة في سوريا نتيجة لفشل تجربة الشراكة السابقة بينها وبين المملكة في أفغانستان، وتخوّفها من ان يتحوّل جهاد تلك المليشيات المقاتلة، التي أعلنت ولاءها لتنظيم “القاعدة”، اذا ما انتصرت، لتوجّه سلاحها في سوريا نحو الغرب وأميركا، على النسق الإرهابي الأفغاني.

السابق
منح مدرسية لطلاب حاصبيا
التالي
التغيير والتطوير في الحوزة العلميّة