واشنطن: قطار التسوية إنطلق

كان طبيعياً إهتمام الاوساط السياسية والديبلوماسية على حدّ سواء بخطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الأخير، اولاً، لأنه يأتي بعد اكثر من شهر على اطلالته الاخيرة، وثانياً، وهو الاهم انه يأتي بعد التحوّلات السياسية الكبرى على الخط الاميركي – الايراني وفتح قنوات التفاوض المباشر بين البلدين. وهذا الاهتمام نابع من قراءة المدى الذي بلغه التواصل الاميركي – الايراني من خلال خطاب السيد نصرالله.
وفي الملاحظات الفورية إشارات كثيرة لكنها ما تزال في حاجة الى مزيد من المتابعة والتحليل. فهي المرة الاولى التي يتناول فيها السيد نصرالله المملكة العربية السعودية بالإسم. وهو تحدث عنها مبتسماً وبشيء من الخفة كتعبير عن تسجيل نقاط حاسمة عليها.
ويُروى انه كان قد قرّر في إطلالته ما قبل الاخيرة، وفي معرض حديثه عن التفجيرَين اللذين وقعا في الضاحية والخلايا التي كُشفَت، الاشارةَ بطريقة ما الى السعودية، لكنه عدل عن ذلك في اللحظة الاخيرة.
وفي الملاحظات ايضاً اعتباره انّ القبول بصيغة 9+9+6 الحكومية والتي تشكل فعلياً هزيمة سياسية لقوى 14 آذار المتحالفة مع السعودية يبقى مخرجاً افضل مما يمكن أن ترسو عليه الامور قريباً، واصفاً إياه بـ”تواضع” حزب الله. وهذا الكلام يعكس استنتاجاً مبدئياً بأنّ المفاوضات الاميركية – الايرانية والتي تشارك روسيا في جانب منها، إنما لا تشمل فقط الملف النووي، ولا حتى ستبقى محصورة بالملف السوري، بل إنها ستطاول لبنان.
من هنا الاشارة الى الرئيس سعد الحريري بالعودة من “مطار الشهيد رفيق الحريري الدولي” وليس مطار دمشق، ما يعني أنّ معركة بقاء الرئيس بشار الأسد انتهت عملياً، وأنّ الواقع اللبناني يجب أن يخضع لحسابات جديدة.
وجاء كلام رئيس “جبهة النضال الوطني” النائب وليد جنبلاط ليكمل الجزء الناقص من الصورة: “الحريري وحلفاؤه ونحن خسرنا المعركة، والأفضل لنا الإنضواء في الحكومة”.
وجنبلاط الذي يستعدّ لإطلالة اعلامية الاسبوع المقبل مع الزميل مارسيل غانم باشر تسويق عناوين سياسته الجديدة: الدعوة الى محاربة التنظيمات الارهابية والتكفيرية، تحصين الوضع الداخلي اللبنباني من خلال التفاهم السياسي والاعتراف بالتبدلات الاقليمية الحاصلة، والإقرار بأنّ الحلّ الوحيد في سوريا هو عبر التسوية السياسية.
بالتأكيد هذه السياسة ستُغضب الحريري والمملكة العربية السعودية، الاّ أنّ جنبلاط قد يكون مقتنعاً بأنّ “الغضب” السعودي لا بد من أن يصطدم بالتبدل الاقليمي الجديد وينصاع اليه. ذلك أنّ المناخ الاميركي – الايراني الجديد بدأ يشقّ دربه عبر الساحة السورية أولاً.
وتردّد أنّ السفير الاميركي في سوريا روبرت فورد قال صراحة لرموز المعارضة السورية الرافضة المشاركة في مؤتمر “جنيف-2”: “القطار سينطلق ومن لا يستقلّه سيبقى وحده ينتظر العدم”. لا بل نُقل عن فورد تذكيره بمحطة “الطائف” اللبنانية و”أنّ من فاته ركوب القطار يومها بقي خارجاً وخسر كثيراً”.
والواضح أنّ المشروع السياسي الذي تتجه اليه سوريا يرتكز على “طائف سوري” يتضمن إعادة دمج “الجيش الحر” بالجيش النظامي، والابقاء على النظام، لا بل تفعيل الجانبين الامني والعسكري للنظام الحالي ومنح المعارضة حقائب وزارية تتصل بالإقتصاد والإنماء. كذلك يتضمن “الطائف السوري” إدارات محلية للمناطق عبّر عنها الاكراد في شمال سوريا بطريقة أو بأخرى. لكن، قبل ذلك هنالك مهمة القضاء على التنظيمات المتطرّفة بكل اشكالها.
وفيما الهمس الغربي بات يعترف بوجوب بقاء الاسد لمدة سنتين من الآن للمساعدة في هذه الورشة، بدا الرئيس السوري مصمماً على تجديد ولايته من خلال انتخابات رئاسية في حزيران 2014، وهو ما يُغضب السعودية.
ولذلك مثلاً، سعت الرياض الى توحيد المجموعات الاسلامية التي تدين لها بالولاء والتي تقوم معتقداتها على السلفية كمجموعة قادرة على محاربة التنظيمات المتطرفة. لكنّ القطار انطلق على ما يبدو، ورسائل الغضب السعودي لم تعد تنفع، لا بل إنها ستكون بلا أفق وستؤدي الى نتيجة عكسية لجهة تسريع التفاهم الاميركي – الايراني.
وقد جاءت نتائج “رسالة الغضب” من طرابلس بنتائج عكسية ايضاً، ففيما أُشعِلَت المحاور ونُظِّم هجوم سياسي قاس على الجيش اللبناني، مرّرت الديبلوماسية الاميركية “نصائح” بضرورة استيعاب الوضع ومنح الحماية للجيش بدلاً من استهدافه لأنه الوحيد القادر على إنتشال لبنان من التداعيات الكبيرة للنزاع السوري على أرضه.
ذلك أنّ واشنطن تحتسب بقلق للارقام المخيفة للنازحين السوريين، اضافة الى حال الفقر التي يعاني منها هؤلاء والتي إذا اضيفت الى عامل الشعور بالهزيمة وتوافر السلاح في لبنان وتداخلهم مع الخلايا المتطرّفة وبعض القوى الفلسطينية، فهذا لا يعطي استنتاجات مستقبلية مطمئِنة. وتكفي الاشارة مثلاً الى الزيارة التي يقوم بها الآن مدير المخابرات في الجيش العميد إدمون فاضل للولايات المتحدة الاميركية بناء على دعوة الجيش الاميركي.
ويتردّد في الكواليس الضيّقة أنّ واشنطن باتت موافقة على تزويد الجيش اللبناني طائرات حربية حديثة صغيرة الحجم، تبلغ سرعتها القصوى نحو 400 كلم في الساعة، ما يمنع الاعتراض الاسرائيلي عليها، وقادرة على حمل الصواريخ المتطورة، والتي تعتبر طائرات مثالية تخوض حروب الشوارع والعصابات.
وهذه الطائرات هي من صنع برازيلي. ويُعتبر ذلك مؤشراً قوياً الى ما تريده واشنطن لبنانياً، وهي وجّهت دعوة الى المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم الذي سطع نجمه أخيراً، لزيارتها للبحث في الامن الميداني والسياسي.
وفي وقت يستعدّ السفير الاميركي في لبنان ديفيد هيل لوضع تقريره الاول حول الوضع في لبنان بعد أن أنهى لقاءاته الاستطلاعية، طلب وزير الخارجية جون كيري إطلاعه عليه فوراً نتيجة اهتمامه بالواقع اللبناني استناداً الى سياسة بلاده الجديدة تجاه إيران وهو الذي تربطه في الاساس علاقة شخصية بهيل منذ زمن بعيد ساهمت في تزكية تعيينه في لبنان.

السابق
لبنان بلا ذاكرة
التالي
الطقس غدا غائم جزئيا مع انخفاض في الحرارة