عن بنات الشيعة والحجاب بدءا من سنّ الخامسة

حجاب
كيف يمكن لمجتمع ان يكون سليما حين يختصر حياة طفلته الصغيرة بقطعة قماش صغيرة.. ويعاملها كامرأة ناضجة، ويحاسبها كراشدة، كونها بحسب اعتقاده باتت امام الله "مكلفة"؟

“لماذا تتحجب المرأة دون الرجل”. سؤال طرحته “فطومة”، ابنة الثانية عشر من عمرها على اهلها حين كانوا يتناولون موضوع الحجاب أمامها. وكانوا يضحكون ملء أشداقهم ويقولون لها “اذا ضلّت هيك فحياتها ستكون صعبة”.   

داخل البيئات الاسلامية يُعد الحجاب أمراً عادياً، لكنه لم يكن شائعا فيما مضى كما هو اليوم. ففي أيامنا هذه يختارالاهل خط حياة ابنتهم بدءا من اختيار المدرسة الي يرونها مناسبة لها. فإن اختاروا المدارس الاسلامية في ضاحية بيروت الجنوبية، مثل “المهدي” التابعة لـ”حزب الله”، او “الكوثر” التابعة لمؤسسات السيد محمد حسين فضل الله، او “الايمان” التابعة لـ”الجماعة الاسلامية”، او”شمران” التابعة لحركة “أمل”… فإنّهم بذلك يرسمون لها خط سير حياتها.

فإذا تأففت يوما من ضعف في المنهاج، يجيبونها: “اخترنا هذه المدرسة لاجل التربية الاسلامية، وعدم الاختلاط داخل الصفوف او في الملاعب وعدم فرض بعض الرياضات كالسباحة وغيرها على الفتيات”. لكن المدرسة ليست جامعا او مسجدا: هي مؤسسة تعليمية تربوية.

فالفتاة في البيئة الشيعة عموما ترتدي الحجاب بدءا من الثامنة تقريبا. علما ان المرجع الراحل السيد محمد حسين فضل الله حدد سن التكليف بـ 12 سنة، اي سن البلوغ وليس قبل ذلك، وعند الاستفسار عن سبب اقامة حفل تكليف لفتيات “الكوثر” في سن الثامنة، جاءنا الجواب ان “الاهالي هم الذين يطالبون بذلك”.

ويتفق المرجع الراحل فضل الله مع أتباع المذهب السنّي في تحديد سن 12 للتكليف الشرعي للفتاة. ومع هذا يبقى الحجاب مفروضا لأنّ “المرأة في الاسلام عورة”، وبالتالي يجب سترها. لكن أيّ عورة بالنسبة الى قاصر – طفلة كي تُلزم بالحجاب منذ نعومة أظفارها؟

اما عند الموحدين الدروز فالحجاب مفروض بشكل اكثر قساوة من بقية المذاهب الاسلامية. هناك على الفتاة ارتداءه منذ سنّ الثالثة أو الرابعة “من اجل ان تعتاده عندما تكبر”. لكننا لا نلحظ التزاما بالحجاب في البيئة الدرزية الا ما خلا طالبات المدارس الدينية. اما في البيئات المسيحية فلا تلزم فتياتها بالحجاب الا اذا قررت ان تصير راهبة. كذلك الامر بالنسبة لليهود الذين يلزمون المتديّنة بالحجاب فقط.

يلاحظ المراقب لشوارع الوسط الشيعي ان فتيات بعمر5 الى 6 سنوات يرتدين ايشاربا قصيرا انطلاقا من فكرة انها بذلك “تتعوّد على الحجاب”. لكن الا يكفيها خمسة عقود آتية على الاقل لـ”تتعوّد”. وهل نحرمها من ثماني سنوات طفولية لتلعب وتلهو وتفرح قبل ان تسجن في حجاب العقل والعادات والتقاليد.

المثير ان حفلات التكليف التي تجريها المدارس الاسلامية الملتزمتة، في احدى السنوات، يصل عدد “المكلفات” فيها احيانا الى اكثر من 1200 طفلة. وقد اعتبر احد المسؤولين في “حزب الله” خلال حفل التكليف ان “هذه الفريضة تعرّضت للكثير من التشوهات، ووظيفتنا العمل على ابقاء هذه الفريضة في مكانها وفي موقعها للحفاظ على سمتها ودورها. وعلينا‏ مواجهة كل التحديات الصعبة، والمقاومة بهذه الثقافة صنعت الانجازات ووقفت بوجه ثقافة الخضوع والخنوع”.‏

لكن كيف يمكن لمجتمع ان يكون سليما وصحيّا حين يختصر حياة طفلته الصغيرة بقطعة قماش صغيرة.. ويعاملها كامرأة ناضجة ويحاسبها كراشدة، كونها بحسب اعتقاده انها باتت امام الله مكلفة؟

واذا كان الحجاب  له منطقه العقلي في الاسلام – اي درء الفتن – فما هو مبرر تحجيب الصغيرات؟ وهل ان فعل الاختيار يغيب هنا من اجل “مواجهة التحديات الصعبة..”.

السابق
اصابة مواطن بالقنص في طلعة العمري طرابلس
التالي
باسم يوسف.. أو ما تبقّى من ربيع العرب