مطالب التنازل… والتسويات

لاحظ الأمين العام لـ «حزب الله» اللبناني السيد حسن نصرالله، في خطاب له أول من أمس، أن ميزان التأييد الشعبي لكل من قوى 8 آذار، الاسم الحركي للشيعية السياسية كما يعبر عنها الحزب، وبين قوى 14 آذار، الاسم الحركي للسُنية السياسية كما يعبر عنها تيار المستقبل، سيظل من دون تغيير لمئة سنة مقبلة، ليستخلص انه ينبغي على الطرفين تقديم تنازلات من اجل الخروج من هذا المأزق.

هذا الانقسام، بالمعنى الذي اراده نصرالله، يضرب في عمق التاريخ. وما دام يتعلق بصلب معتقدات مقدسة فإن السنوات المئة المقبلة لن تحمل له حلاً. الحل الحقيقي للأزمة هو في تقديم التنازلات ليس من اجل مزيد من تقاسم للحصص في السلطة السياسية وانما اعادة الحقوق الى الدولة، والمنهوبة منها بقوة السلاح.

المؤسسون للبنان الحديث توافقوا، وإن على مضض، ان تبقى الدولة ومؤسساتها المساحة المشتركة للجميع. وهم، وإن لم يتميزوا جميعاً بالتجرد الطائفي والمذهبي او بالنزاهة السياسية او بالحس الوطني، وفروا الظروف الملائمة لتعايش سلمي وتداول على السلطة. وذلك من خلال الحفاظ على المساحة الجامعة الممثلة في الدولة التي حافظت بدورها على الحصص داخل مؤسساتها. لتتشكل مفارقة تاريخية تتمثل في كون الضعف البنيوي لهذه الدولة مرتبطاً بمدى استمرار التوافق بين الطوائف على اعتبارها مساحة للجميع. وهذا ما جعل السلم الاهلي يتعرض للاهتزاز والانهيار في كل مرة حاول طرف ما ان يخرق التوافق على هذه المساحة المشتركة.

واليوم يتهدد هذا السلم الأهلي أكثر من أي وقت مضى، مع امتلاك «حزب الله»، الممثل للشيعية السياسية، للقدرة على التميز عن بقية مكونات لبنان، ولقوة عسكرية واقتصادية وسياسية تفوق قوة الطوائف الاخرى، ومع توظيفه لكل هذه القدرات في تقليص مشاركة الآخرين في المساحة المشتركة التي هي الدولة. خصوصاً ان ما يحد من الاعتراف له بحق التمدد على كل هذه المساحة يرتبط بنوعية الانقسام الطائفي والمذهبي الذي لا يرى الامين العام للحزب امكان تغيره ولو بعد مئة سنة.

الأولى في مثل هذه الحال، وإن صدقت النيات في احلال التعايش والاستقرار السياسي، ان يطالب نصرالله الجميع، بمن فيهم حزبه، بتقديم التنازلات الى الدولة ومؤسساتها، وليس ان يتبادل الاطراف التنازلات.

والتنازل للدولة يعني ان تُعاد اليها السلطات والصلاحيات كاملة في ادارة شؤون الناس وعلى كل المستويات، بما في ذلك استخدام القوة المسلحة. ومثل هذا التنازل مطلوب من الحزب الذي استولى عنوة على وظائف اساسية للدولة ويسعى الى احكام سيطرته على ما بقي من مساحة مشتركة.

وعندما يطالب الحزب الآخرين بالتنازل له فإنه في الواقع يطالب بتمكينه من إكمال سيطرته على الدولة عنوة. وربما هذا هو معنى القول إن التنازل الطوعي حالياً سيكون تنازلاً عنوة قريباً.

واذ يربط الحزب إرغام الآخرين بالتنازل له في لبنان بتوقعه انتصار النظام السوري على شعبه فإنه يعزز نظرية النزاع التاريخي الذي لا حل له. نظراً الى طبيعة التحالف العابر لحدود البلدين. ويكمل نصرالله نظريته بالحملة العنيفة على المملكة العربية السعودية. اذ من غير المتوقع ان يكون متأثراً، في نظرته الى السعودية، بما تكتبه احدى الصحف «الممانعة» عن الدور السعودي. فبيت القصيد بالنسبة الى السعودية ليس دورها في دعم مطالب الشعب السوري، وإنما في ثقلها الديني في ميزان الخلاف التاريخي وفي وقوفها الندي في مواجهة إيران.

وهنا ايضاً تتطابق المطالبة بالحل السياسي في سورية مع مطلب التنازلات في لبنان. اي التسليم للمحور الايراني، و «حزب الله» والنظام السوري أحد أعمدته على شواطئ البحر المتوسط، ليس على مستوى الهيمنة الاقليمية فحسب وانما في التفسير التاريخي للانقسام الاسلامي.

السابق
على خط ربط النزاع إلى جنيف 2
التالي
اسرائيل تطلق سراح 26 معتقلا فلسطينيا في الضفة الغربية