على خط ربط النزاع إلى جنيف 2

يثير الموقف السعودي السلبي من التطورات الإقليمية واللبنانية الكثير من الأسئلة والهواجس، لا سيما بعد الكلام الصريح للأمير تركي الفيصل الذي حذر فيه مما وصفه حرباً اهلية في لبنان وانتقد بشدة الدور الايراني في لبنان والخليج، وهو ان كان لا يعبر عن موقف رسمي سعودي، لكنه يتماهى الى حد كبير مع بعض المواقف التي عبر عنها اكثر من مسؤول رسمي في المملكة. ومع ذلك تتعدد القراءات لخلفيات الموقف السعودي وللدور المفترض الممكن ان تلعبه في الصراع المحتدم دولياً وإقليمياً حول سوريا وامتدادات هذا الصراع الى لبنان ودول الخليج، وصولا الى الموقف السعودي الاخير من الإدارة الاميركية والرئيس باراك اوباما شخصياً.

ثمة من يرى ان المملكة تبحث عن دور لها في تسويات المنطقة بعدما استُبعدت بشكل او بآخر عنها، ربما لأن البعض يعتبرها سبباً او شريكاً فاعلا في هذه الازمات التي نشأت، ومنها الازمة السورية، عبر دعم وتمويل وتسليح المجموعات المسلحة المعارضة، ولذلك تتصرف سلباً حيال الكثير من القضايا، بل وتعتمد التصعيد السياسي والدبلوماسي حيال الدول والقوى المرتبطة بهذه الملفات، خلافاً لما كانت تعرف به في العقود الماضية من رصانة وهدوء وإيجابية في معالجة الكثير من المشكلات العربية والإقليمية.

ويلاحظ البعض ان مشكلة المملكة تبدو بشكل مباشر وواضح مع ايران، التي تعتبرها منافسة ومتدخلة في مناطق ودول لطالما كانت محسوبة على السعودية او متأثرة بها، كما هو الحال في لبنان والبحرين وغيرهما والى حد ما سوريا، ويرى هؤلاء ان السعودية تحاول ان تضغط على ايران عبر الضغط على حلفائها في المنطقة، وبخاصة في لبنان وسوريا، ويعتبر هؤلاء ان السعودية تسهم في تسعير القتال في سوريا وفي العراق وفي طرابلس بشمال لبنان، لتسجيل حضورها القوي على الساحة الاقليمية، وأنها خاصمت الادارة الاميركية وحتى الامم المتحدة الآن بسبب انفتاحها على ايران ومحاولتها ترتيب العلاقات المتوترة بين الجمهورية الاسلامية والغرب عموماً، ودوماً على حساب مصالح السعودية الاستراتيجية في الاقليم.

ويذهب هؤلاء الى القول ان السعودية تريد لبنان «مربط نزاع» مع الدول التي رعته وأمنت له مظلة امان واستقرار سياسية وأمنية، ولذلك يفسر الكثيرون الموقف السلبي السعودي من الازمات اللبنانية الحالية السياسية والحكومية على انه تحدٍ للارادة الدولية، لكنه قد ينعكس سلباًً على المدى الطويل على المملكة، لأن الدول الكبرى منها تفكر بمصالحها اكثر بكثير مما تفكر بحلفائها.

ويقول المتابعون لهذا الملف إنه بإمكان السعودية ان تلعب دورا اكثر ايجابية بل ومساهماً في الحلول عبر مقاربات مختلفة لتعاطيها مع الملفات الاقليمية الساخنة، بدل التعاطي السلبي، خاصة ان ايران اعلنت انها باشرت تحضير ملفات البحث للقمة المحكي عنها بين الملك السعودي والرئيس الايراني لتحقيق الانفراج في العلاقات، كما ان كل القوى السياسية اللبنانية على اختلافها تقبل، كما الحال دوماً، بدور سعودي ايجابي لمعالجة المشكلات اللبنانية ولا ترفض تدخلها الايجابي، وان حل المشكلة مع ايران و«حزب الله» لا يمكن ان يتم بالطريقة التي تتعاطى بها المملكة مع الطرفين، بل بالانفتاح والحوار كما كان الحال دوماً.

لكن ثمة من يقول بالمقابل، إن السعودية التي اُقصيت منذ بدء ما سمي «الربيع العربي» عن لعب دور في التسويات، وان الدور الذي اعطي لدول اخرى عربية وإقليمية كان على حساب دورها وحضورها التاريخي والوازن في المنطقة، وهي مثل اي دولة معنية باقتراب النيران الاقليمية منها، بحاجة الى تطمينات وضمانات بأن تبقى هذه النيران بعيدة عنها، لذلك ربما تعمل على تصدير الازمات الى الآخرين حتى لا تقع هي فيها.

ويعتبر هؤلاء ان الضمانات والتطمينات للسعودية لا تكون بإقصائها او تغييبها عن المعادلات القائمة، خاصة اذا كان البديل عنها دول هي على خصومة معها مثل ايران وسوريا، من هنا هي تبحث عن موطئ قدم للدخول الى مؤتمر «جنيف 2» عبر محاولة توحيد فصائل المعارضة السورية وفرض شروطها بصورة غير مباشرة عبر قيادات في المعارضة.

تبقى مسألة يثيرها بعض المتابعين وهي عدم وجود مؤسسة سياسية رسمية واحدة في السعودية يمكن التفاوض معها وضمان تنفيذ ما يمكن الاتفاق عليه، نظراً لاعتماد النظام السعودي على سلطة الشخص، وفي السعودية مراكز قوى عدة قائمة على اشخاص في الوضع الحالي، وصراع خفي على السلطة لا احد يعلم مستقبله. وربما هذا ايضاً من احد اسباب قلق المملكة وحاجتها الى ضمانات وتطمينات.

السابق
الحكيم الافريقي
التالي
مطالب التنازل… والتسويات