أما نحن، فماذا نريد؟

يقول صديقي بإمتعاض تشوبه الغيرة: “حسنا! أميركا تريد كذا، أو روسيا، وإيران… أو إسرائيل… كلهم يريدون، لهم مصلحة في كثير من المسائل، مصلحة بلدهم، رفْعتها، حضورها، قرارها في مصيرها ومصير من حولها أو أبعد منها… ننكبّ على تمحيص كل ما يريدون، نتلمس الإشارات ذات المعنى، ندرس التيارات القائدة لهذه الإرادات السياسية، والرافضة لها داخل كل دولة بعينها، نحاول أن نحزر، أن نحدس، أن نفهم بالضبط ماذا يريدون من كل هذا الصراع الذي نحن فيه، طالما إننا لا نعتمد على نظرية المؤامرة…”.
صديقي هذا يفكر بصوت عال. لذلك، لا يلبث ان يأخذ نفَساً، حتى يستدرك: “انهم اللاعبون الكبار وأحيانا المتوسطون، أي انهم لا يتلقون التعليمات إلا من انفسهم. تمليها مصالحهم بالطبع، ولكنها مرسومة ومخطَّط لها، بصورة جيدة أو سيئة، قام بها اشخاص متفقون على ما يريدون، لا يتوقفون عن مناقشته، عن السهر على تحقيقه… والى ما هنالك مما أتصوره (…). أما نحن، فلسنا لاعبين على ساحتنا، نحن فقط شهود زور على ما يقرَّر عنها. لسنا ممن يقال عنهم في الديبلوماسية “طرف” أو “ذوي ثقل” أو “مقرّرين لمنحى الصراع”… عندما يتبارون حول تحديد مستقبلنا، يذكرون صفتهم، جنسياتهم، هوياتهم… ونحن في خضمها لا إسم لنا ولا دور نلعبه. أميركا تريد كذا! أو روسيا أو ايران!… ويمضون، كأننا غائبون عن الخريطة إلا بصفتنا أرقام ضحايا في نزاع دموي”.
لا يفتر غضب صديقي، ولا يتوقف عن الملاحظة: “أنظري! هل تريدين ان تعرفي لماذا نحن غائبون؟ هكذا؟ الى ماذا نحتاج ليكون لنا دور؟”. فيجيب عني: “لتكون لاعباً، عليك ان تحدد ماذا تريد، أليس كذلك؟”، ويسترسل: “حسناً. ولكي تحدد ماذا تريد عليك ان تحدد من تكون. كأن تقول “نحن دولة ومواطني هذا البلد أو ذاك، اننا نريد كذا ومصلحتنا في كذا، بصفتنا أبناء البلد الفلاني. أليس كذلك؟ أليس هكذا تُرسم الأدوار؟ تُخاض، فتنجح أو تفشل؟ أليس كذلك يكون الوضع أكثر طبيعية، بأن تقول بأنه، في الشرق الأوسط، يريد لبنان، أو سوريا، ما يريد، ودوره هو تحقيق ما يريد، بوجه آخرين، يريدون ما يريد أو لا يريدون. هذا وضع أكثر إنسانية، أكثر طبيعية”.
ويتابع، كأنه يتمرّن على عملية حسابية: “فلنفرض اننا بصدد مهمة نضالية، تتطلب منا التعريف عن أنفسنا من نكون، تمهيداً لتحديد ماذا نريد لأنفسنا من هذه العالم. أليست هذه الخطوة منهجية؟ نقول مثلا اللبنانيين، أي الذين يعيشون تحت سقف واحد إسمه لبنان. هذا أدق وأبسط تعريف عن لبنان واللبنانيين. نذهب الى الأسرة الدولية ونقول “نحن اللبنانيين”؛ ولكن مهلاً، صحيح اننا نقول “لبنانيين”، ولكن أي ناصح في هذه الاسرة، أي عالم بالظواهر قبل البطون، سوف يرد عليك: “أي لبنانيين أنتم؟ لبنانيي الأسد، أو إيران أو السعودية أو أميركا؟ فأنا لم أرَ في هذا البلد إلا منتظرين لما “ستؤول اليه الأزمة”. أي ما سوف نقرره كبار اللاعبين من الدول”.
ثم ينتفض صديقي، كأنه وجد غنيمته: “لماذا نحن محرمون من الأدوار على ساحتنا؟ لأن هويتنا الشكلية كلبنانيين لا تنفعنا في تحديد إرادتنا ورغباتنا في مستقبل بلادنا. لأن هويتنا الفعلية مشرذمة بين ولاءات لأصحاب الأدوار الكبرى والمتوسطة”.
ويخلص صديقي: “ما نريد نحن؟ لا أستطيع الإجابة عن هذا الـ”نحن” الآن، لأنه موزّع، مقطّع مئة قطعة. ولكي لا أصادر رغبات وإرادات ولسان هؤلاء الـ”نحن”، لكي لا أكون “مخلصهم” الجهنّمي، عليّ التواضع والإجابة بما أريده أنا فقط، ما أتصور أنا، بكل ذاتيتي، ماذا أريد لبلادنا، سقفنا المشترك”.

السابق
اصابة ثلاثة اشخاص من جبل محسن بعد تعرضهم لاطلاق نار بساحة التل
التالي
سيارتان مفخختان اُدخلتا الى لبنان ويجري تعقب وجهتيهما