لماذا وصلنا الى هنا؟

لعله من حق كل لبناني ان يسأل «الى أين نحن ذاهبون؟» في ظل الانكماش السياسي الذي يعيشه البلد، والمرشح لمزيد من التأزم مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية على أبواب شهر ايار المقبل الذي يشهد في الخامس والعشرين منه انتهاء ولاية رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان. المؤسسات الأساسية معطلة منذ أكثر من ستة أشهر، فلا حكومة ولا جلسات تشريعية لمجلس النواب ولا موازنة منذ العام 2005، فيما الرئاسة الاولى غير قادرة بفعل الدستور على إدارة شؤون البلاد والمهام التي تقوم بها الحكومة والمجلس النيابي.

ولكي نستطلع الى «أين نحن ذاهبون؟»، علينا أن نعرف اولا «لماذا وصلنا الى هنا؟». فالعلاج يستدعي اكتشاف المرض. وهذا الأمر لا يحتاج الى كثير من البحث والتمحيص. انه النظام السياسي السائد الذي أوصل البلاد الى ما وصلت اليه، وهو النظام الذي حمله اتفاق الطائف وأصبح دستورا للبلاد، أو الأصح ما تم تنفيذه من هذا الاتفاق، وأثبت بفعل التجربة الطويلة انه ليس صالحا لإدارة مزرعة، وليس بلدا مكتمل العناصر.

غني عن البيان أن اتفاق الطائف كان تسوية سياسية لوقف الحرب، وهو عمل ليس بيسير في تلك المرحلة. لكن آباء الطائف في ذلك الزمان لحظوا فيه بندا يفتح الآفاق على حل دائم، تم التعبير عنه في المادة الخامسة والتسعين من الدستور التي تنص صراحة «على اتخاذ الإجراءات الملائمة لتحقيق إلغاء الطائفية السياسية وفق خطة مرحلية وتشكيل هيئة وطنية برئاسة رئيس الجمهورية».. مهمتها «دراسة واقتراح الطرق الكفيلة بإلغاء الطائفية وتقديمها الى مجلس النواب والوزراء ومتابعة تنفيذ الخطة المرحلية». ومن هنا لم يكن مستغربا أن يلتقي قبل يومين ثلاثة من مهندسي الطائف، وهم الرئيسان حسين الحسيني وسليم الحص والوزير فؤاد بطرس، مطالبين باستكمال تطبيق هذا الاتفاق الذي مر عليه أربعة وعشرون عاما.

في قراءة سريعة للمواد الدستورية (49- 53-54-58- 64- 65- 76) لا يحتاج القارئ الى عناء لكي يكتشف أن هذه المواد منحت رؤساء الجمهورية ومجلس النواب والحكومة، أيا كانت أسماؤهم، (وهم يمثلون بالنتيجة الطوائف الكبرى الثلاث)، صلاحيات تعطيل المؤسسات تحت شعار المشاركة ومن دون أي مهل محددة.. اتفاقهم تيسير وخلافهم تعسير. حتى ان الرئيس المكلف تشكيل الحكومة لم يشمله الدستور بمهلة معينة، فضلا عن الوزراء الذين منحهم صلاحية تعطيل المراسيم.

أمام هذه الوقائع الدامغة التي اختبرت أكثر من مرة، والتي أوصلت البلاد الى فراغ رئاسي وحكومي وغياب نيابي، ولا يستبعد مطلقا أن تؤدي الى فراغ رئاسي في ظل حكومة مستقيلة، بات الجواب معروفا على «لماذا وصلنا الى هنا؟». أما الى أين نحن ذاهبون، فإلى مزيد من التأزم وانسداد الأفق وانحلال الدولة وانهيارها، وما ينتج من ذلك من فوضى عارمة واضطرابات أمنية قد تودي الى حرب أهلية جديدة.

ثمة من يربط الأزمة الحالية بالحدث السوري المأزوم وآفاقه. قد يكون ذلك صحيحا اذا كان اللبنانيون يسعون الى تسوية جديدة، فيما المطلوب حل دائم لأزمة النظام السياسي الطائفي، وهذا الحل لا يمكن أن ينجم إلا عن استكمال بنود الطائف، وهو ما يستدعي مؤتمرا وطنيا جديدا يخلص الى عقد وطني شامل، يبدو مستعصيا حتى هذه اللحظة. وبغير ذلك نحن ذاهبون الى.. وبئس المصير!

السابق
رويترز: النائب العام في مصر يأمر بالتحقيق في بلاغ ضد باسم يوسف
التالي
قطعة سما؟ بل قطعة نفايات!