كلفة التأجيل باهظة

لا يملك الموفد العربي – الدولي الأخضر الإبراهيمي جدول أعمال خاصاً به جاء يسوّقه، بل هو مكلّف نقل رسائل أميركيّة – روسيّة – أمميّة تدعو المعنيين الى المشاركة في مؤتمر “جنيف – 2″، ويترك البروتوكول المعتمد في المناسبات هامشاً من الحرية أمام المدعو، فإمّا يلبّي، او يعتذر، او يتجاهل الدعوة والمناسبة. ويعود للثلاثي الدولي بعدها تقويم النتائج واتخاذ القرارات المناسبة.

هناك أرجحية تقضي باحتمال تأجيل المؤتمر إذا كانت الأكثرية المدعوة لديها شروطها وأولوياتها. لا بل ان بعضها يرفض حتى الآن تسلّم الدعوة، ويبقى الكلام الفصل مُلك الثلاثي المحوري جون كيري، وسيرغي لافروف، وبان كي مون، وسيلتقي الثلاثة مطلع الشهر المقبل لاتخاذ القرار تأجيلاً للمؤتمر، أو تثبيتاً لموعده.

وتبدو الإشارات الديبلوماسيّة مخيّبة، ولا ترجّح كفّة انعقاده، لأن الغالبية غير مكترثة، والدليل أن المعارضة السوريّة كناية عن مجموعات من المعارضات، والأجنحة المتطرفة قد أصبحت صاحبة كلمة مسموعة، وهي لا تريد المؤتمر، بمقدار ما تريد استمرار القتال، في ظلّ تدفق الأموال والأسلحة، وعندما تتوقف الإمدادات الخارجيّة، عندها يصبح في الإمكان البحث عن إطلاق مسار سياسي.

النظام بدوره يناور، يقول إنه ذاهب الى “جنيف – 2” من دون شروط مسبقة، وفي الوقت نفسه يشكك بنتائجه سلفاً، ويتوقع له الفشل الذريع، وحجته في ذلك أن ظروف انعقاده غير متوافرة، وفرَص نجاحه ضئيلة.

إيران غير متحمّسة، لديها ما يكفي من الاهتمامات التي تتقدم سلّم أولوياتها، مصير برنامجها النووي ومستقبله، مصير الانفتاح على الولايات المتحدة ومستقبله، الوضع في الخليج، تطورات الأحداث في سوريا، ومستقبل النظام، الوضع في لبنان والتحديات التي تواجه “حزب الله”.

تركيا أيضاً ليست على عجلة من أمرها في انعقاد المؤتمر، عينها على “داعش” ونشاطاتها المسلّحة على طول الحدود التركيّة ـ السوريّة المشتركة، والأخرى على الحالة الكرديّة في كلّ من سوريا والعراق، وانعكاسات كل ذلك على أكراد الداخل. أما السعودية فتقرأ في أكثر من كتاب، ظاهريّاً تقود معركة تحسين شروط التعامل مع الولايات المتحدة وإدارة الرئيس باراك أوباما تحديداً، بعد التلكؤ في تنفيذ الضربة العسكريّة ضد النظام السوري، والانفتاح “المفاجىء” على إيران، والاتصال مباشرة بالرئيس الإيراني حسن روحاني. ضمنيّاً تقود السعودية معركة خيارات على مستوى الداخل، وباب المفاجآت مفتوح على غاربه، وبالتالي ليست مضطرة الى أن تضيف على طينها بلّة.

أما في لبنان فالحالة مختلفة، والوضع استثنائي الى حد الانفجار الكبير، هناك من يستسهل تبادل الرسائل الساخنة مع الآخرين عبر صندوق البريد اللبناني، وهناك من يريد الرد على الدور القطري في صفقة أعزاز بتفجير الوضع الأمني في طرابلس، وهناك من يسعى الى فرز قيادات جديدة في الشارع الطرابلسي بديلاً عن “التقليديّة”، وتكون أكثر تطرفاً وحيوية في الاستجابة الى نداء الواجب إذا ما طلب منها “الجهاد”، وتوافرت الأموال والمساعدات.

طرابلس اليوم مجرّد عنوان تفصيلي على خط تماس ساخن يشهد تجاذباً حاداً بين مَن يريد “جنيف ـ 2″، في 23 تشرين الثاني المقبل، وبين من لا يريده في المستقبل المنظور، وهذا العنوان مرشّح لأن يصبح رئيسياً إذا ما كانت الغلبة من نصيب المحور الخليجي الداعي الى رفض المؤتمر، وعدم الدخول الى قاعته قبل أن يرحل النظام ويترجّل الرئيس بشار الأسد عن صهوة الرئاسة والقيادة. هكذا حسابات وتوقعات تقود الى أن تصبح طرابلس رأس حربة النِزال الكبير في مناطق القلمون السوريّة وقد تحوّلت معسكراً للفصائل الأصولية المتطرفة.

ويبدو وفق أوساط ديبلوماسيّة أن ثمن تأجيل موعد انعقاد مؤتمر “جنيف – 2” سيكون باهظ الكلفة، وانّ “جوائز الترضية” الروسية ـ الأميركيّة ستصِل الى الجميع، وكلّ على مقدار حجمه ومسؤوليته في تعطيل انعقاد المؤتمر، وسيفاجأ البعض بأنّ النار قد امتدت الى عقر داره من دون أن يدري، وبلا مقدمات.

إنها لعبة الأمم التي لا ترحم ولا تستثني أحداً مهما بلغت درجة مكانته وتقرّبه من الدول الكبرى النافذة، وإن سياسة التحريض والتجييش إذا ما استمرت ضدّ المؤتمر، فإن معركة القلمون ستحوّل لبنان من ساحة تبادل البريد السريع الى ساحة تصفية الحسابات وتسديد الفواتير المكلفة، خصوصاً إذا ما أعطي الضوء الأخضر الخارجي لحصول تطهير مذهبي لبعض المناطق الداخلية المتاخمة للحدود السوريّة، والتي كانت تشكّل على الدوام مصدر قلق وإزعاج للتيار الداعم للنظام، وأيضاً لدعاة النأي بالنفس عن دعم المعارضة السوريّة؟!

السابق
مكاري: لم اصوت على التمديد لمجلس النواب
التالي
نحن في انتفاضة ثالثة