قطعة سما؟ بل قطعة نفايات!

صدّق أو لا تصدّق، فالعادة القديمة لا تزال على حالها، ولا يزال لبنان أو “قطعة السما” مكبّا سائباً لكل أنواع المواد السامّة، وأرضاً رحبة لكل النفايات النوويّة والمواد الكيميائيّة، التي يريد المجتمع الدولي التخلّص منها ولا يجد لها مَنْ يستقبلها سوى “الوطن الرسالة”.

ولو مُرغماً. وأحياناً كثيرة من دون علمه أو أخذ موافقته… ولا حتى اطّلاعه على نوع “النفايات”، ولا أين سيكون المدفن.

تحبل في الخارج، وتضع مولودها في حضن لبنان، نظراً إلى مناخه النقيّ وطقسه الجميل، وغياب السلطة والقانون. لا مَنْ يعلم ولا مَنْ يسأل.

وليس من اليوم، ولا من قصة الكيميائي السوري الذي يبحثون له عن أرض صالحة للزراعة، ومتوافرة فيها شروط الهواء العليل والمياه العذبة، بل من زمان طحشة دولة ياسر عرفات وطحشة النظام السوري عليها وعلى البلد الذي يقولون فيه للسائح أو عابر السبيل: يا ضيفنا لو زرتنا لوجدتنا نحن الضيوف وأنت ربُّّ المنزل. وهذا المثل يأتي حفراً وتنزيلاً.

فهذه الأجيال التي آلت إلى فئات منها ومن “أمراء الحروب” الذين انتفخت كروشهم وصاروا يدخّنون سيجار روميو وجولييت، هي التي أمسكت بقيادة السفينة في هذا البحر الدائم الهيجان مع كرسي للوصاية.

ولا حاجة إلى إعادة وصف وضع لبنان وظروفه وحالاته ومآسيه منذ وُضع اتفاق الطائف موضع التنفيذ، إلى اغتيال الرئيس رفيق الحريري، إلى خروج “الوصاية”، إلى بروز نجم “حزب الله”، إلى سقوط الدولة وسلطاتها ومرجعياتها ومؤسساتها في خبر كان.

اليوم، في هذه الفترة الحرجة، وقبلَها بأيام وأحداث وأزمات، لا دولة فعلية حقيقيّة في لبنان. لا حكومات تستطيع أن تتّخذ أي قرار حتى برفض النفايات السامة، أو المواد الكيميائية السورية التي يفتشون لها عن مقبرة في مرقد العنزة… حيث الفلتان سائد براً بحراً جواً.

لا موجب لشرح واقع الحال في بلد الثماني عشرة طائفة ودويلة ومربّعاً ومحميّة ومزرعة، كذلك الأمر بالنسبة إلى حجم المَونة السوريّة الايرانيّة، ولا يفيد كلام الوعظ، وحثّ أمراء الحروب على تحسُّس المصلحة الوطنية، والتحلّي بالحدّ الأدنى من المسؤولية والشعور بالخفر على الأقل.

وزير البيئة ناظم الخوري أعلن أنه لن يوافق على “أي طرح من هذا النوع. ويكفينا ما يعانيه لبنان من تلوّث في كل شيء، على رغم صغر حجمه”. وينصح بالتوجّه صوب الصحارى ذات المساحات الشاسعة. لكنه نسي أن النفايات والسموم والمواد الكيميائية تعشق الطقس والمناخ في البلد الصغير جداً، وفي غياب أي رقيب.

بلد مقوَّص من سنين، ويصرّون على قتله كل يوم: بلاد مقوّصة وعم تنقتل قبلي، قال طلال حيدر، وكسر قلم البيك!

السابق
لماذا وصلنا الى هنا؟
التالي
الحرب السوريّة على الإرهاب