تتمة الربيع الرئاسي اللبناني

تعالوا لنناقش هذا المشهد:
نحن في “وطن” الوضع فيه على الشكل التالي:
لا حكومة أصيلة فيه، ومع ذلك لا أحد يهتم للإنتهاء من انضاج تشكيلة الحكومة الجديدة.
مجلس النواب ممدد له، ومع ذلك لا أحد يهتم في إيجاد قانون جديد للإنتخابات لتجرى الإنتخابات على أساسه.
لا موازنة عامة، ومع ذلك لا أحد يبذل جهداً للخروج من دائرة الصرف على القاعدة الإثني عشرية.
لا أمنَ وأمان في عاصمة الشمال، ومع ذلك لا أحد يقوم بمسعى جدي لوضع حدٍّ لهذه المأساة التي جعلت طرابلس جحيماً لا نهاية له.
مشاريع القوانين مكدَّسة في مجلس النواب، لكن مواعيد الجلسات تنتقل من تأجيل إلى تأجيل بسبب الإصرار على تعطيل الجلسات.

هذه هي عيِّنة من المشهد السياسي والأمني والمالي في البلد، وهي عيِّنة مرشحة للتفاقم ولمزيد من التدهور لأن ليس في الأفق ما يشير إلى تحسنها.
رئيس الحكومة المكلَّف غادر إلى جنيف في زيارة خاصة يُرجَّح أن تكون للنقاهة بعد العارض الصحي الذي تعرَّض له والذي أدخله إلى المستشفى. إن عدم الدخول إلى السراي حتى الآن سبَّب للرئيس المكلَّف المزيد من حالات الإحباط والقرف، ولا يُعرَف كيف سيتمكَّن من الصمود في وجه المتغيِّرات. إن المعضلة الحقيقية للرئيس المكلَّف تتمثَّل في أنه مُكبَّل بالظروف التالية:
فهو غير قادر على التأليف، ولا هو قادر على الإعتذار، لذا فإنه يُمضي أيامه في زيارة بعبدا مرةً في الأسبوع، وفي الإعلان بين حين وآخر انه أطفأ محركاته ثم أعاد تشغيلها ثم أطفأها من جديد.

رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي يعرف أنه مكبَّل بحدود تصريف الأعمال، فهو لا يستطيع أن يعقد جلسات لمجلس الوزراء، وفي المقابل لا يستطيع أن يعتذر، لذا فإنه يحاول أن يمرر الملفات المتفجرة في حقول من الألغام، ويسعى لئلا ينفجر أيٌّ منها في وجهه أو في وجه البلد.

وزير المال أرسل مشروع قانون الموازنة للعام 2014، ولكنه ماذا يستطيع أن يفعل أكثر من ذلك؟
يُدرِك في قرارة نفسه ان إقرار الموازنة في مجلس النواب في الظروف الراهنة هو من سابع المستحيلات، لذا فإنه مضطر إلى مواصلة الصرف على القاعدة الإثني عشرية، مع إدراكه بأن هذا الصرف وفق هذه القاعدة يُقلل من دقة الرقابة.

وإذا كان الملف السياسي متعثِّراً، وكذلك الملف المالي، فإن الملف الأمني ليس أفضل حالاً:
عيِّنةُ العجز مأخوذة من طرابلس، فعاصمة الشمال التي يقطنها قرابة النصف مليون مواطن، تترنَّح بين جولةٍ وجولة، ولقد بلغت حتى الآن سبع عشرة جولة، والذين عاشوا الحرب اللبنانية في بداياتها في حرب السنتين، يتذكَّرون أن جولاتها وصلت إلى ثلاث عشرة جولة، فيما “حرب طرابلس” وحدها فاقتها فاقتربت من الجولة العشرين، وليس في الأفق ما يشير إلى ان النهاية اقتربت أو أن الحياة الطبيعية ستعود بسهولة إلى طرابلس.
ذلك هو الواقع، وفي ما عدا ذلك أمنيات ونكاد نقول أضغاث أحلام، اللوحة الحقيقية في المشهد اللبناني الراهن هو ان لبنان يترنَّح، وليس من مؤشر إلى تحسن الوضع سوى المراهنة على أيار 2014 الذي يؤمَل عن حق أن يكون تتمةً للربيع الرئاسي اللبناني.

السابق
خطاب النصر الفعلي
التالي
مكاري: لم اصوت على التمديد لمجلس النواب