الحرب السوريّة على الإرهاب

على مدى عامين ونصف العام راحت نظريّة «مكافحة الإرهاب» تتقدّم على سواها من نظريّات النظام السوريّ في حربه على مجتمعه. فنظريّة الدفاع عن «العروبة» بدت منذ البداية هشّة وسخيفة، ليس فقط لاصطدامها بغالبيّة ساحقة من العرب تتعاطف مع الثورة، بل أيضاً لتضاربها الذاتيّ تبعاً لاقترانها بجرعة عنصريّة ضدّ العرب و»العربان». وأكثر منها هشاشة وسخافة كانت نظريّة الدفاع عن «الإسلام الحقّ» التي ماتت لحظة ولادتها. أمّا نظريّة التصدّي لإسرائيل فبدل أن تُسعف النظام، أفقدت حليفه «حزب الله» صدقيّته، هو الذي جعل يبحث عن طيف إسرائيل في شوارع حمص والقصير.

واقع الحال أنّ «مكافحة الإرهاب»، على عكس الأخريات، نظريّة مربحة، على ما لاحظ غير مراقب محلّيّ وغربيّ. فهي تبني جسراً بين النظام السوريّ وبين رأي عام غربيّ، وجسراً آخر يصل هذا النظام بمحطّة للتقاطع الأميركيّ – الروسيّ. وهي إذ تطمئن الإسرائيليّين، لا سيّما بعد التخلّص من السلاح الكيماويّ، فإنّها تقدّم بشّار الأسد وجهاً من وجوه الأمن والاستقرار في المنطقة وفي العالم. هكذا تمسّك بها النظام وحاول تطويرها كي تبدو حجّة متماسكة تتسابق البراهين لإنجادها.

و»الحرب على الإرهاب»، كما نعلم، إبداع من إبداعات عهد جورج دبليو بوش، ارتبط خصوصاً بجماعة «المحافظين الجدد». لكنّ هذا المفهوم بقي منذ ولادته يعاني فقره النظريّ وضعف إنجازه العمليّ. وربّما كان أسوأ ما في هذه النظريّة أنّها أحلّت المعالجة الأمنيّة الضيّقة، وصولاً إلى شنّ الحروب، محلّ الإدراك الأعرض للمجتمعات المعنيّة، بتواريخها المحلّيّة واقتصاداتها وثقافاتها، ومن ثمّ مدى قدرتها على احتمال الديموقراطيّة التي طرحتها إدارة بوش علاجاً من الإرهاب.

لكنْ يبقى أنّ ذاك الإرهاب موجود فعليّاً، وأنّه وجّه، في 11 أيلول (سبتمبر) 2001، وقبلذاك وبعده، ضربات موجعة في غير عاصمة من عواصم العالم.

وكلّنا يذكر أنّ دمشق، في ذلك الحين، كانت تقرن التنسيق الأمنيّ مع الأميركيّين ضدّ الإرهاب بلغة تتّهم الأميركيّين بأنّهم هم الإرهابيّون، وبالمزدوجات الكثيرة التي توضع حول كلمة إرهاب، تدليلاً منها على أنّه ليس كذلك.

بلغة أخرى، يستعير النظام السوريّ لغة فقيرة ومتناقضة ليطبّقها على نحو أكثر فقراً وتناقضاً، خصوصاً أنّه ليس النظام الذي تعرّض لـ11 أيلول، بل ذاك الذي رعى لسنوات الأميركيّ اللاتينيّ كارلوس، والسوريّ – الفلسطينيّ أحمد جبريل، وأعداداً من اللبنانيّين الذين لا أسماء لهم، فضلاً عن تأمين طرق الإرهابيّين، وبينهم عديد التكفيريّين والجهاديّين، إلى قلب العراق.

وهذا، مرّة أخرى، يضعنا وجهاً لوجه أمام آلة من الكذب لا تتعب، آلةٍ تتساوى حيالها العروبة والإسلام وفلسطين والإرهاب وكلّ ما ينفع، وفق الموسم، لإطالة عمر النظام. غير أنّ المدهش أنّ النظام نجح، وهو كاذب، في أن يستورد، إلى الحدّ الأقصى، مكافحة الإرهاب، فيما فشلت المعارضة، وهي في ما نظنّ صادقة، في أن تستورد الحدّ الأدنى، والمشذّب، من هذه النظريّة. هنا، لم يكن الرأي العامّ مطلوباً، ولا التقاطع مع العالم في همومه ومعاركه، وهو العالم المطالَب بالوقوف مع السوريّين في همومهم ومعاركهم.

السابق
قطعة سما؟ بل قطعة نفايات!
التالي
خطاب النصر الفعلي