المشكلة في خيار الحرب

وفيق الهواري

بدا المسؤول الأمني السابق في القوات اللبنانية أسعد شفتري كأنه في قفص الاتهام يدافع عن نفسه، بسبب الاعتذار الذي تقدم به في مطلع القرن الحالي من جميع الضحايا الذي تعرضوا للقتل والتعذيب على يديه أو بناء على أوامره، ومسامحته كل من أساء إليه خلال الحرب الأهلية. وتعرضه لهجوم قاس من بعض المشاركين والمتصلين في البرنامج التلفزيوني “بموضوعية” الذي يعده وليد عبود وتذيعه قناة Mtv وطالبه البعض بالكف عن سياسة الاعتذار، لأن أحداً من الطرف الآخر لم يتقدم باعتذار موازي.

يبدو أن الحرب الأهلية ما زالت مستمرة في عقول معظم اللبنانيين، الذي ما زال يرى نفسه ومن موقعه أنه على حق، وأن موقفه يعبر عن الحقيقة. وفي مراجعة لمواقف معظم القوى التي شاركت في الحرب الأهلية، نجد بعضهم قد اعتذر عن الأذى الذي لحق بلبنانيين وفلسطينيين أثناء مجرى الحرب، إلا أنهم، وعلى ضفتي البلد، كان كلّ منهم يصف حربه أنها حرب على الآخر المخطئ. لأن منطق المحاصصة وانتقال الهيمنة من طائفة إلى أخرى لم يصل إلى مستوى اعتبار خيار الحرب الأهلية هو الذي أدى إلى التهديد الفعلي بزعزعة الكيان اللبناني.

فالزعيم الدرزي وليد جنبلاط وفي تصريحات عدة أبدى أسفه “لسقوط ضحايا من اللبنانيين المسيحيين خلال الحرب دفاعاً عن عروبة لبنان وتطوره الديمقراطي”، بحسب تعبيره. والزعيم المسيحي أمين الجميل، في لقاء عقده في المركز الرئيسي لحزب الكتائب عام 2008 بوجود قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، اعتذر عن الضرر الذي لحق بلبنانيين وفلسطينيين خلال الحرب التي وصفها أنها كانت “دفاعاً عن لبنان وسيادته واستقلاله”. كذلك فعل رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع.

لكن موقف شفتري ينتمي إلى موقع آخر، موقع يرى أن الحرب لا تشكل حلاً للمشكلة اللبنانية، وأن الحل وجده شفتري بالحوار بين اللبنانيين من مختلف الطوائف وهو موقف إنساني أخلاقي يستحق الاحترام. ولا ننسى أن أمين عام منظمة العمل الشيوعي محسن إبراهيم، قد لخص المراجعة النقدية التي اجرتها المنظمة في أواخر القرن الماضي في خطاب ألقاه خلال ذكرى أربعين القائد الشيوعي جورج حاوي عام 2005. وأعلن يومها أن :الحركة الوطنية قد اختارت الحرب الأهلية طريقاً للتغيير الثوري وكان خياراً خاطئا”، وأنها “حمّلت الوضع اللبناني أكثر ما يحتمل بدعمها المطلق للمقاومة الفلسطينية وكان خياراً خاطئاً أيضاً”. كذلك م.ت.ف. اعتذرت من اللبنانيين بمساهمتها في الحرب الأهلية، الذي اعتبرته خياراً خاطئاً وذلك في إعلان فلسطين في بيروت عام 2008 الذي تلاه عباس زكي آنذاك. لكن يبدو أن المواقف الناقدة لهذا الخيار قد التزمتها قوى صارت على هامش الحياة السياسية اللبنانية، فيما القوى المؤثرة ذات الوزن ما زالت على خياراتها في العلاقة مع الآخر.

موقف شفتري الشخصي موقف شجاع، يلزمه دعم من تيار مدني عابر للطوائف. لأن المشكلة تبدو في مكان آخر يتجلى بغياب شعب لبناني منصهر، وغياب مواطنين لبنانيين والبقاء في خانة رعايا الطوائف التي لا تنتج وطناً موحداً، رغم كل الشعارات والخطابات الرنانة.

السابق
خطة التخلص من حزب الله والقاعدة!
التالي
أوساط ميقاتي عكست ارتياحه للتدابير الامنية الجديدة بطرابلس