الخطير أبو الأسرار….

الخطير أبو الأسرار هو ذاك الرجل الذي يملك مفتاح الغرفة المقدَّسة في السراي الحكومي الذي يدخله المواطنون لإنجاز معاملاتهم الرسمية والقانونية، داخل السراي توجد غرفة مقفلة بسلاسل من حديد لا يجرؤ أحد للدخول إليها ومكتوب فوق بابها (الغرفة المقدَّسة)عند مدخل السراي يوجد مكتب لأبي الأسرار يجلس خلفه ولافتة مكتوب عليها (ختم الخطير أبي الأسرار صاحب مفتاح الغرفة المقدَّسة) ويصطف المواطنون ينتظرون ختم المعاملة.

وعند الانتهاء من ختمه الشريف تُعرض المعاملة على الشرطي الحارس لمكتبه للتأكد من صحة المعاملة ، عندما تطوَّرت الحياة وأصبح هناك هاتف جوَّال، دخل مواطن الى تلك السراي وهو ينتظر ختم الخطير أبي الأسرار.. واذ بهاتفه يرنُّ أخبروه بوفاة والده فخرج مسرعاً متجاوزاً ذلك الختم والشرطي لم يوقفه….وبعد فترة ذهبت السكرة وجاءت الفكرة أنَّ المعاملة صحيحة من دون ختم أبي الأسرار.. .تناقل الخبر بين أصدقائه حتى أحدث ضجَّة أنه لا قيمة لختم الخطير أبي الأسرار.. جاؤوا الى السراي ودخلوا الى تلك الغرفة المقفلة بالسلاسل وكسروا القيود الحديدية فوجدوا في داخلها الدِّين مُكبَّل اليدين والقدمين…انهم العلمانيون..؟ فقد أتاح هذا التحالف بين الاقطاع السياسي والاقطاع الديني تقديس وترسيخ الشعائر والمظاهر الدينية بين الناس كونها الوسيلة المُثلى للهيمنة والسيطرة والنفوذ على مصير الناس ومقدَّراتهم وحياتهم… ولذا تعارض هذه القوى المسيطرة والمتحالفة أي تغيير في هذه الشعائر والمعتقدات الشعبية ذات التوظيف السهل والجاهز… ويحافظ على مبدأ تقديس الشخص من خلال عدة طرق ومظاهر اجتماعية فقد أصَّل مبدأ تقبيل أيدي العلماء وتقديس آرائهم ، والهتافات للزعيم مع الاغناء والطاعة لما تقوله وتقرِّره ولو كان خطأ من صاحب سلطان قلم التحقيق والفقاهة والنباهة وصاحب الرياسة والنيافة والزعامة ، وهي مظاهر لا تتحاشى سفك الدماء لأجلها حفاظاً عليها لأنَّ فيها تكريساً لهيمنتهم فضلاً عن أنها تحالفات وعادات تشبع أنانيتهم في الواقع الاجتماعي الذي يظن الناس ان لا خلاص لهم في الحياة الاَّ من خلال نظام “الملالي والمجتمع الأخوندي” مع العلم بتطور الحياة والمعاملات في المجتمع المدني من دون الرجوع الى ختم الخطير أبي الأسرار صاحب الغرفة المقدّسة…انَّ هذا الاستغلال السيئ لآراء الناس واستخدام أدوات التحريك العاطفي والاثارة النفسية من خلال الدين والمقدَّسات وعواطف الناس تجاه رجال الدين والاقطاع السياسي أسوأ استغلال للحصول على آراء الناس لصالح الحزب الحاكم والتيَّار الأصولي الذي يمارس وصاية على الدين والقِيَم ويفسِّرها بما يتفق ومصالحه وتطلعاته السياسية… من هنا تبقى مسؤولية النخبة من المثقفين ورجال الدين المخلصين في التحرُّك الفعَّال على مستوى ترشيد الوعي وتعميق العقلانية ومبادئ حقوق الانسان في أجواء المجتمع مطلوبة للحيلولة دون مصادرة آراء الناس وسوقها باتجاه خاص لا ينفع عموم الشعب.

السابق
الطقس غدا مشمس مع ارتفاع طفيف في الحرارة
التالي
الجسر: هناك تدخل اقليمي في احداث طرابلس