النساء ذوات الإعاقة: ضحايا التمييز

قرأت سعاد إعلاناً لشركة تطلب موظفة. لم تتردد المتخرجة من «الجامعة اللبنانية»، المُجازة في علم النفس التوافقي، في التقدم إلى الوظيفة. وفعلاً تفوقت على منافسيها، وقرر مدير الشركة أن يوظفها. فرحت ابنة الـ29 عاماً بإنجازها. وحضرت لتوقيع عقد العمل. كان كل شيء ممتازاً إلى أن سألها المدير تفصيلاً وصفه بـ«الصغير». لديها تشوه خلقي في يديها، فطلب أن تغطي يديها لكي لا يراهما الآخرون. وضعت سعاد القلم على الطاولة وقالت للمدير «شكراً ما بدي إشتغل». لمن يعرف سعاد، يدرك أنها قادرة على اتخاذ هكذا موقف بكل جرأة وعزة نفس، في وقت تضن المؤسسات في طول البلاد وعرضها بوظيفة على الأشخاص ذوي الإعاقة.

هي ناشطة على مواقع التواصل الاجتماعي، تزين رأسَ صفحتها صورتُها أمام منظر طبيعي، فيما تلوح بيديها في الهواء. يدان تسبب التشوه الخلقي بتوقف نموهما عند الكوع حيث يقتصر كفاها على ثلاثة أصابع غير مكتملة أيضاً. تتعامل مع حالتها بكل سلاسة وتقبل. هي أنجزت في حياتها ما يعجز عنه الكثيرون، وأكثر ما يفرحها خروجها من جلسة مع عائلات لأطفال من ذوي الإعاقة وقد ساهمت في تقبلهم لحال أبنائهم وإبداء استعدادهم لاحتضانهم والوقوف إلى جانبهم.
بالأمس، روت سعاد تجربتها في الاجتماع الأول للجنة التحضيرية لـ«الملتقى اللبناني للنساء ذوات الإعاقة»، الذي سيكون جزءاً من «الملتقى العربي للنساء ذوات الإعاقة». أطلقت الملتقى «المنظمة العربية للأشخاص ذوي الإعاقة». ومع سعاد أخرجت سيدات أخريات شاركن في اللقاء تفاصيل صغيرة من معاناة كبيرة يعشنها خلال بحثهن المضني عن عمل على خارطة التمييز ضدهن. تمييز ثلاثي الأبعاد يبدأ في أحيان كثيرة من العائلة، وينسحب على المدرسة، والمجتمع ومؤسسات العمل، ولا ينتهي عند التقاليد والأعراف. فَصَّلْنَ في التمييز لدى السؤال عن السبب في إنشاء ملتقى خاص بهن، طالما أن معاناة الأشخاص ذوي الإعاقة عامة، وتكمن في الأساس في نقص التوجه الحقوقي لمعالجتها، وعدم تطبيق القوانين على الجميع، وليس على النساء فقط.
لكن، لدى التدقيق في المعطيات البحثية والميدانية التي تأسس عليها المنحى القائل بضرورة تخصيص النساء ذوات الإعاقة، يتبين أن التمييز يطالهن منذ لحظة الولادة، وصولاً إلى جميع مناحي الحياة. ووضع المؤتمر الإقليمي الثاني لـ«الملتقى العربي للنساء ذوات الإعاقة» الإطار التمييزي ضدهن بهدف وضع خريطة طريق واضحة لإنصافهن.
فالطفلة ذات الإعاقة أشد وقعاً على الأهل من الطفل الذكر ذي الإعاقة. وعادة ما يرسل الأهل الطفل إلى المدرسة ويحجمون عن تعليم الفتاة خوفاً عليها من تعرضها لاعتداء من جهة، وعدم إيمانهم بإمكانية إحداث فرق في حياتها من جهة ثانية. يتعاملون معها وكأنها لن تكون شخصية مستقلة في حياتها.
وتتعرض المرأة ذات الإعاقة للتمييز لدى بلوغها أيضاً إذ تعمد بعض العائلات إلى ممارسة التعقيم القسري عليهن، ويتدخلون في قرارهن بالارتباط والزواج وفي الخروج من المنزل وفي ممارسة حياتهن بشكل طبيعي. وبينت البيانات ومن خلال تجارب الفتيات والنساء ذوات الإعاقة معاناتهن من «نقص في مستوى التعليم، وارتفاع في مستوى البطالة، وانخفاض في حجم الرواتب، ومحدودية السبل للحصول على خدمات الصحة والأمومة، وضيق هامش الحق بتأسيس أسرة، وقصر أو عدم وجود السبل للحصول على الخدمات والبرامج المتوفرة للنساء بشكل عام، وخطر أكبر للتعرض للعنف ومختلف أنواع الاضطهاد، ومحدودية توفر المعلومات التي تبين الجنسانية والإعاقة وضعف تمثيلها في الجمعيات المعنية بالإعاقة. وسألت المشاركات في لقاء الأمس، عن موقعهن من خطاب الحركة النسائية في لبنان، وعن عدد الجمعيات التي تخصهن ببرامج وتسعى إلى تمكينهن مهنياً وتعليمياً، عن فرص العمل المتاحة أمامهن في هذه الجمعيات.
ولأن الاجتماع التحضيري خصص للعمل والمعوقات سألت المجتمعات عن تطبيق «الكوتا» القانونية لتشغيل الأشخاص ذوي الإعاقة عامة والنساء من بينهم خاصة، وعن السبب الذي يمنع لبنان من التصديق على الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة. سؤال يبدو فضفاضاً في بلد لم يطبق القانون 220/2000 الخاص بحقوق الأشخاص المعوقين، لكي يصدق على الاتفاقية التي تلزمه بسن تشريعات وتقديم خدمات ورعاية تنسجم مع روحية الاتفاقية. وكما سعاد، ختمت مارلين اللقاء برواية تجربتها مع التقدم للعمل كمذيعة في إحدى الإذاعات المعروفة. يومها، سمعت مارلين، الكفيفة، الإعلان، فحملت جهاز «البرايل» خاصتها وقالت: «لمَ لا وأنا أحمل إجازة في الأدب العربي فيما تتخبط المذيعات يومياً بأخطائهن اللفظية واللغوية؟». ما إن وصلت إلى مكتب الإذاعة مستعينة بعصاها حتى بادرها المسؤول: «نحن طالبين مندوبي إعلانات مش مذيعة، منعتذر منك». لم يخضعها للفحص، لم يهتم بكفاءتها ولا بشهاداتها، لم ير سوى إعاقتها. تقول إنها خرجت لا تلوي على شيء. وحدها مهنتها في تعليم الأطفال المكفوفين والأثر الذي تتركه في حياتهم أنقذتها. ما زالت مارلين تقول إنها تحلم أن تمسك يوماً ما بـ«ميكروفون» وتذيع نشرة أخبار، وستفعل، وفق ما تقول.
السابق
إعادة صناعة إيران في الغرب
التالي
ماذا قال القطري لزميله السعــودي؟