محمد دكروب: يا ليتني بقيت سمكريا

محمد دكروب
رحل محمد دكروب، الذي – وعلى حدّ قوله – كان شيوعياً على طريقته": التزاماً غائيّاً، وهويّةً واضحة. رحل وكان أكثر ما بقي منه قوله ذات سبعين من عمره: "يا ليتني بقيت سمكريا"، ضاربا بعرض الحائط الثقافة والمثقفين والكتابة والكتاب.

لفقر عائلته، ترك المدرسة باكراً جداً، لكنه كان نهِماً للقراءة، مواظباً على محاولاته في الكتابة. وقد تنقّل في مِهنٍ عدة متواضعة آخرها كان أن فتح محلاً يزاول فيه مهنة “السَّمكرة”، وفي هذا الدكان تعرَّف الى المفكّرين كريم مروّة وحسين مروّة اللَّذين أدخلاه أجواء الماركسية والاشتراكية.

“أجبره” الحزب الشيوعي اللبناني على مزاولة الصحافة من دون أي خبرة له في هذا المجال، إلى أن أصبح، ولأكثر من خمسين عاماً – وحتى رمقه الأخير – رئيس تحرير مجلة “الطريق” الذائعة الصيت.

رحل محمد دكروب، الذي – وعلى حدّ قوله – كان شيوعياً على طريقته”: التزاماً غائيّاً، وهويّةً واضحة. رحل وكان أكثر ما بقي منه قوله ذات سبعين من عمره: “يا ليتني بقيت سمكريا”، ضاربا بعرض الحائط الثقافة والمثقفين والكتابة والكتاب.

رحل محمد دكروب، صباح الرابع والعشرين من تشرين الأول 2013. هَوَتْ قامته الثقافية العالية، بطعنة ثمانيناته. الطعنةُ النجلاء إياها، طعنة الزّمن الأخيرة.

هوى محمد دكروب جسداً، لكن روحه المعرفيّة، سيظلّ طيفُها النّابض بالحياة، ماثلاً أبداً، في مخيّلة ووجدان كل من يطَّلع على كتاباته من قراء وقارئات العربية المُجدّين. فما “اقترفته” يدا محمد دكروب، في فنّ الكتابة، سيبقى في مجاله ودوائره، منارات خالدة يستضيء بها، كل من يُجيد تسديد القلم، تسديد صيّاد ماهر، للفرائد من عيون الكلام.

كان محمد دكروب مثلاً أعلى في التحصيل الثقافي الذاتي، من جهة، وفي احتلاله – من جهة أخرى – المكانة المرموقة في قدرته على توظيفه هذا التحصيل، توظيفاً مضيئاً في حركيّة معرفية أدائية، وصَمَتْه بنعتٍ مشرِّف هو: “شغِّيل ثقافة”. نعم، لقد كان محمد دكروب شغيل ثقافة، بكل ما تعني هذه الكلمة من معنى عميق موحٍ. كان صاحب مسيرة ثقافية كفاحيّة، في النقد والإبداع الأدبي. فمسيرته هذه جعلته مرجعاً ثقةً في هذين المجالين، بصفته واحداً من مؤسِّسي الثقافة العربية الحديثة، المجدِّدين في القرن العشرين.

“قطبيَّتُه” التأسيسية هذه، هي التي تمكّننا من القول إنّ محمد دكروب كان تاريخاً ثقافياً بحد ذاته. على أن النقطة الجوهرية في هذا الأمر كله، أن محمد دكروب، هو أحد الرموز “الأسطورية” في التثقيف الذاتي، هو الذي نقل “أناه” من عاديّتها الاجتماعية، إلى ثِقْل مكانتها المعرفية، على صعيد الكتابة التأليفية المتمثلة بكُتبه النقدية والأدبية ومقالاته الصحافية. وكان ذلك كله، بفضل “اصطدامه” الواعي بالعقل الماركسي والفكر الشيوعي.

السابق
تبادل لاطلاق النار اثناء ملاحقة مطلوبين في حوش الحريمة
التالي
النبطية في العتمة بسبب الاهمال