واجب البرهنة على ابو مازن

في كل سنة في ايلول، يقف رئيس السلطة الفلسطينية أبو مازن أمام الجمعية العامة للامم المتحدة ويخطب خطبة كلها تقريبا غضب ومناوءة واتهام لاسرائيل، بجرائم ومظالم على الشعب الفلسطيني. وقد اتهم اسرائيل في سنين خلت في نطاق دعاواه لأجل القومية والاستقلال الفلسطينيين، بسلسلة جرائم طويلة، متبلا وصف المظالم التي تمت في ظاهر الامر بمعجم محدث واسع من الكلمات التحريضية مثل ‘استعماري’، و’فصل عنصري’، و’عنصرية’، و’تطهير عرقي’، و’جرائم حرب’، و’بداية نكبة جديدة’ و’تهويد’.
ويعاود أبو مازن الاعلان بصورة عامة برغبة الفلسطينيين بالسلام، وبرفض الاعمال الارهابية. بيد انه في السياق الخطابي العام، واذا اخذنا في الحسبان السلبية السافرة في نغمة كلامه، فان ملاحظاته بشأن تأييد السلام تترك أثرا ضحلا. ان الرسالة في هذه الخطب الى المجتمع الدولي، وبصورة أهم الى الاسرائيليين والفلسطينيين أوضح مما كانت من قبل، وهي ان اسرائيل تتحمل تبعة كل شيء. وان الفلسطينيين صديقون وضحايا ابرياء، وان كل ما يسمى تسوية سلمية مقرون بقبول تام لمطالبهم.
في التمهيد للقاءات في هذه السنة في الامم المتحدة، أجرت رابطة مكافحة التشهير مباحثات مع موظفين في الادارة الامريكية يرعون مسيرة السلام في الشرق الاوسط، وذكرت لهم ان الخطبة السنوية للرئيس الفلسطيني ستكون ورقة اختباره، لانه اذا كان جديا حقا في شأن تجديد التفاوض المباشر مع اسرائيل فان خطبته فرصة ممتازة ليعلن للشعبين وللمجتمع الدولي أن الفلسطينيين ملتزمون بالسلام ويعترفون باسرائيل بأنها شريكة في المسيرة، وانه كما يؤسسون هم انفسهم روايتهم وقوميتهم يعترفون ايضا بالصلة العميقة بين الشعب اليهودي وارضه. وذكروا للموظفين انهم سيصغون اصغاء تاما لرسالة ايجابية تحمل الأمل على لسان أبو مازن يغيب عنها القائمة الابدية للشكاوى وعبارات الدعاية والاتهامات.
في الشهر الماضي حينما اعتلى أبو مازن منصة الخطباء بسط سلسلة دعاوى لأجل تأييد دولي لتخفيف ازمة الشعب الفلسطيني، واتهم كالعادة اسرائيل بطائفة من المشكلات، منها البناء في المستوطنات وهجمات اسرائيليين في ظاهر الامر على مواقع مقدسة في القدس وامور اخرى.
وكانت بشرى تغيير ما في الخطبة هذه السنة، وهي اعلان الرغبة الفلسطينية بالسلام، وكون اسرائيل هي الشريك في ذلك، في مركز الخطبة بخلاف ذكر هذه الامور، مثل زيادة اضطرارية فقط في الماضي. وغاب عنها ايضا لغة التحريض، ولم يكن يقل عن ذلك اهمية ان اعلن أبو مازن ان هدف التفاوض هو التوصل الى اتفاق ينهي الصراع ومطالب الطرفين كلها.
لكن أبو مازن امتنع في خطبته عن ان يقول كلاما كثيرا يتمنى الاسرائيليون سماعه، فهو لم يذكر حق اسرائيل في الوجود دولة يهودية ولم يمتنع عن الاشارة الخفية الى ان انشاءها في 1948 انشأ ‘عدم عدل تاريخيا لم يسبق له مثيل’ بالنسبة للشعب الفلسطيني. ولوحظ في الخطبة القليل فقط من الاعتراف بمخاوف اسرائيل المشروعة على أمنها، ولم تسمع فيها دعوة عامة الى رفض العنف والارهاب. والاكثر اشكالية هو انه بخلاف اعلان بنيامين نتنياهو بأنه مستعد لاتخاذ ‘مصالحات مؤلمة’ من اجل السلام، ذكر أبو مازن ‘تنازلات’ فقط وكان ذلك يتعلق بالماضي ايضا. وهو لم تصدر عنه اشارة تدل على ان الفلسطينيين يدركون ان المصالحات والتنازلات غير البسيطة وحدها ستُمكن من السلام.
وفي الخلاصة نقول انه ما زال للزعيم الفلسطيني عمل كثير اذا اراد ان يعبر عن التزام شعبه التوصل الى تسوية سلمية حقيقية والى اعتراف بدولة اسرائيل وبتاريخها ومخاوفها في مجال الامن.

السابق
الديار: طرابلس على خط الزلزال..اشتباكات وقتلى بين محسن والتبانة
التالي
الحملة الصليبية اليهودية