من سجن أعزاز إلى سجن الطائفة

من سجن الى سجن
خطف "حزب الله" بهجة "تحرير المخطوفين"، وأدار رشّاش الإعلام صوب النائب عقاب صقر والرئيس سعد الحريري. لأنه من موجبات "الولاء الأعمى للطائفة" أن تشتم الطائفة الأخرى ووجوهها. وحده المحرّر حسين علي عمر كان "حرّا" حين "تحفّظ" على وجود النائب علي عمار في استقباله.

اسدل الستار وكانت النهاية السعيدة لأزمة المخطوفين اللبنانيين الشيعة التسعة في اعزاز السورية. واطلق سراحهم لواء عاصفة الشمال التابع للجيش الحر. هو الذي قام بخطفهم منذ عام ونصف العام عند عبورهم الحدود التركية السورية في طريق عودتهم الى لبنان من زيارة مرقد الإمام الرضا في إيران.

غير أن مشهد رحلة العودة لهؤلاء الأسرى المنهكين، وما صدرعنهم من آراء وتصريحات، أو من أقربائهم الذين يفوقونهم فصاحة وبلاغة، يوحي برغبة جامحة لتصوير ما حصل على انه انتصار مضاف الى انتصارات طائفتهم وزعيمها، ومسؤولها الأمني الرسمي المستجدّ، اللواء عباس ابرهيم، المعيّن من قبل الزعيم في منصب المدير العام للأمن العام. هو الذي يمثله ويمثلها في الدّولة.
كانت مشوّقة رحلة الإفراج عن هؤلاء الرهائن وكانت سريعة أيضا عودتهم الى حظيرة الطائفة. هكذا أراد منظمو رحلة الإياب، وهكذا كان المشهد البانورامي: “من سجن اعزاز الى سجن الطائفة”.
ولأن من أولويات اثبات الانتماء الى الطائفة – القبيلة هو الولاء لزعيمها وذمّ زعيم الطائفة المقابلة، فإن المفرج عنه الحاج عباس شعيب أغرق الإعلام في مديح أقطاب الطائفة الشيعية، وشكر اللواء عباس ابراهيم على الجهود الكبيرة التي بذلها، مختصرا بذلك الدولة كلها في شخص المدير العام للأمن العام، وقدّم شكرا خاصا لمن سمّاه “صاحب العمامة السوداء (السيد حسن نصر الله) الذي يبقى جبينه مرفوعا”. وقال له: “لولا فضل الطيارين التركيين لما تم الافراج عنا”. ملمحا بذلك ضمنا الى مسؤوليّة السيد عن عمليّة الخطف تلك دون مواربة. ثم اضاف محرّضا بشكل أحرج حتى منظمي “احتفال عودة المخطوفين: “المعركة هي سوريا والمقصود بها نحن (اي الشيعة) وإذا أتوا الى بيروت سيعتبرون نساءنا سباياً لهم، ورجالنا سيتقطعون، وبكل صراحة الحرب تشن ضد الشيعة”.

أما بالنسبة لذمّ أعداء الطائفة فقد اختير “العميل الشيعي” لدى سعد الحريري، كما يطلق عليه، أي النائب عقاب صقر، كي تصوّب نحوه السهام. وهو الذي اشتهر بمحاولته الفاشلة العام الماضي لاتمام صفقة تبادل من أجل الإفراج عن المخطوفين أحبطها يومها بجدارة الجانب السوري الذي رفض أي تعاون مع النائب صقر، المنتمي الى “تيار المستقبل”، اي الى العدو اللدود للنظام السوري وحلفائه من اللبنانيين.ليل الثلاثاء، في برنامج “كلام الناس” على محطة تلفزيونLBC ، قال نجل المفرج عنه علي زغيب، واسمه أدهم، إن عقاب صقر “لم يضع المال على الطاولة بهدف الافراج عن المخطوفين بل للابقاء عليهم محتجزين ، وانا اقصد بهذا الكلام النائب الذي زارهم هناك لأنني عندما اطالب دولتي ترد بأنها لا تعرف الجهة الخاطفة ولا مكانها، في حين ان هناك نائب في البرلمان اللبناني يزور الخاطف ويجلس في مكتبه ويدفع له المال. هذا الأمر اسمه رذالة من قبل الجميع”.

واكد في البرنامج نفسه المفرج عنه علي زغيب أقوال ابنه الذي كان يبعد عنه آلاف الأميال وأضاف مكملا حفلة القدح والذمّ: “صقر فاوض بطريقة خاطئة على المخطوفين، وأنا لا اُطلق عليه صفة نائب لانه لا يمثل الشعب اللبناني”. وقال النائب علي عمار خلال الحفل الذي أقيم في منطقة بئر العبد: ” فليسمح لي سماحة سيد المقاومة حسن نصرالله والرئيس نبيه بري أن أشكر باسمهما كل من شارك وساهم وبذل جهداً من أجل طيّ هذه القضية المتأزمة، وإن كان من كلمة شكر أيضا فإننا نشكر رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي والرئيس المكلف تمام سلام ووزير الداخلية مروان شربل والمدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم”.

ما خفي كان أعظم. فلا بدّ من التعليق على ما قالته والدة عباس شعيب، ووالدة دانيال الشعيب الذي شغل الإعلام في الأشهر الفائتة. فهي خاطبت الإعلام قائلة: “لو كلهم متل ضفر إجرو لسعد الحريري، كان البلد بألف خير”. وهنا تدخّل أحد “الشباب” الموزّعين على بيوت المفرج عنهم، من عناصر “حزب الله” غير المعلنين، وقال لمراسل “المستقبل” وللوالدة الغاضبة من التصويب على الحريري: “ما بدنا سياسة لو سمحتم”.هكذا كما لو أنّ السياسة ليست إلا شتما لصقر والحريري، ومديحا لنصر الله وبرّي. وتحت الهواء قال كثيرون لإعلاميين كثيرين، إنّ “الشباب” يطلبون من الأهالي القول إنّ الخاطفين عذّبوهم وجوّعوهم “لكن هذا لم يحصل ولن أخالف ضميري لأنّ هناك آخرة”، قال أحد المفرج عنهم رافضا نشر أقواله.

ألا يصحّ هنا القول إنّ المحرّرين “مخطوفين” بشكل أو بآخر في مكان تحريرهم الجديد؟ أليس ما جرى مع حسين علي عمر خير دليل؟ ذلك المخطوف الأول الذي خرج لابسا ربطة عنق تمثل العلم التركي. وكان “متمايزا” عن “البيئة” التي حاولت توظيف تحرير المخطوفين. فهو قال في الإعلام، تعليقاً على الكلام الذي قيل بأن أطراف لبنانية مثل الرئيس سعد الحريري والنائب عقاب صقر على علاقة بخطف الـ11، قال: “ارفض هذا الكلام. كل اللبنانيين بذلوا جهوداً لحلّ هذه المسألة، بعضهم وفق وبعضهم لم يكن موفقاً. وأنا كلي يقين أنه لو استطاع الخيرون أن يأتوا بالمخطوفين الـ11 لأتوا بهم ولم يقصرّوا باعتبار أنه انجاز بحدّ ذاته. لذا كل كلام من هذا القبيل غير مقبول بتاتاً خصوصاً أننا تواصلنا مع النائب عقاب صقر وهو تابع الموضوع بكل جدية، وقد أخذ البعض على عقاب صقر دعمه للثورة السورية ولكن في حالة المخطوفين وفي أي أزمة أخرى علينا كلبنانيين أن نتحرك على اساس وطني وليس ضمن مفهوم الموالاة والمعارضة.

ورفض “خطف” الاستقبال الرسمي والشعبي له من قبل “حزب الله”، قائلا: “وجود النائب علي عمار في استقبالنا كان مردّه الى أنه نائب لبناني عن منطقة قريبة من مكان سكننا ومن المطار، فمن الطبيعي أن يكون موجود هذا النائب مع تحفظي على الاستقبال الذي حصل”. وتابع الحاج حسين: “كان سبق لنا وأعلنا أن النواب الـ128 في المجلس النيابي هم مسؤولون عن المخطوفين اللبنانيين”، قاصدا النائب عمار، نائب “حزب الله”.

إعلام الممانعة و”حزب الله” همّش هذا “المحرّر”. ودارت أحاديث تخوّنه وتتمهمه، رغم أنّه دفع أشهرا طويلة من حياته في الأسر، مثل الباقين. ربما هو الوحيد الذي خرج “حرّا”، فيما الآخرون خرجوا من أسر “الثورة” إلى أسر “الطائفة”، وبعضهم يعرف ذلك تماما، وبعضهم لا يوقنون.

السابق
البيت الأبيض: اوباما اكد لميركل أن واشنطن لا تتنصت على اتصالاتها
التالي
وزير كهرباء سوريا: اعتداء على خط الغاز وانقطاع الكهرباء عن أحياء بدمشق