14 آذار: كثير من الضجيج والفائدة قليلة

طويت صفحة مأساة حجاج اعزاز التسعة مع عودة كل من المحررين الى ممارسة حياته الطبيعية ورمي 17 شهراً من المعاناة خلفه. وذلك بما تفترضه الواقعية واستمرارية الحياة من دون إغفال حجم الضرر النفسي والجسدي والمعنوي الذي اصاب المحتجزين قسراً وعائلاتهم. وهذا الضرر يستدعي في وقت لاحق على غرار مأساة عبارة الموت الاندونيسية ومتضرري الاشرفية وكل تفجيرات لبنان من الضاحية الى طرابلس عناية ولفتة خاصة ممن يسارعون الى “اداء الواجب” امام “المجتمع الدولي” وتبييض صورتهم الشخصية على حساب شعبهم ومواطنيهم والاستثمار في عذاباتهم وجراحاتهم.
من يعتبر ان حل مسألة المخطوفين خسارة له ولرصيده السياسي وانتصار لحزب الله والطائفة الشيعية و”ضابط امنها” اللواء عباس ابراهيم فتلك مشكلته. لان اصل المسألة كان لي ذراع حزب الله وامينه العام السيد حسن نصرالله ورئيس مجلس النواب نبيه بري ومن ورائه كل الطائفة الشيعية فتارة اراد الخاطفون المفترضون اعتذار نصرالله عن “اساءاته لثوار سورية” وتارة اخرى انسحابه من العمليات داخل سورية وصولاً الى انتهاء الصفقة ببضع ملايين من “اليوروهات” وهو ثمن قبضه ثوار مفترضون لحرية مزعومة. فمنذ اللحظة الاولى لعملية الخطف فهم المعنيون من رسالة الخطف ان من يقف وراء العملية اجهزة ودول كبرى اما من كانوا يسمون بالخاطفين فليسوا الا مجرد واجهة لجهات دولية وعربية واقليمية فاعلة. وما ان شعرت ان ثمن الخسارة بات كبيراً واكبر بكثير من تحقيق اي مكسب مع هبوب رياح متغيرات ليست لمصلحتها تخلصت من الرأس الكبير ومن اعباء الملف الاخرى.
واقع في مشكلة سوء تقدير كبيرة، من لم يفهم الاسباب المباشرة التي دفعت الى انجاز ملف مخطوفي اعزاز واقفال ملف الطيارين التركيين وعدم اطلاق اي من السجينات السوريات كما اورد بيان ما تبقى من “لواء عاصفة الشمال”. كما يعاني من “سوء هضم سياسي” الذي لم يدرك ابعاد الرعاية القطرية والاشراف والتمويل وكل التفاصيل الباقية لانهاء هذا الملف البوابة وما يشكله من مقاربة جديدة لدولة قطر. ومعروف مدى الارتباط القطري العضوي بالادارة الاميركية وما يعني ذلك فالتحول الاميركي في اتجاه سلوك اكثر عقلانية لحل المشكلات في المنطقة ومن بينها الازمة السورية، يستدعي من حلفاء اميركا في لبنان والخليج وسورية ان يسيروا على وقع خطاها لا خارجها.
في لبنان يعيش حلفاء اميركا والسعودية على وقع من الانفصام او حالة من التخبط، ففي حين يبدو الرئيس فؤاد السنيورة اكثر “عقلانية” بما يمثله من ثقل داخل التيار الازرق وحجم علاقاته وارتباطاته الدولية وهو حتى هذه اللحظة على نسبة الخمسين في المئة الكافية لاي “استدارة” فلقاءاته المتكررة بالرئيس بري والتي ستصبح ثلاثة في ثلاثة اسابيع اليوم على هامش جلسة انتخاب اللجان، لم تحرز اي تقدم ان لجهة الحكومة او الحوار او حتى استئناف العمل التشريعي لمجلس النواب في عقده العادي بعد التمديد، الا انها ابقت الامور مفتوحة على احتمالات كثيرة من دون نتائج فورية او حاسمة، فلا شيء في جعبة السنيورة يمكن ان يقدمه لبري وحلفائه وليس بالامكان افضل مما كان وربما تحمل الايام او الاسابيع المقبلة ريحا ما من وراء البحار والصحارى تسمح باجراء تحول يمكن للسنيورة ان يكون جزءاً منه وعلى تماس مع واشنطن التي تعول ولا تزال على حنكة السنيورة لكبح الجناح البندري المتشدد داخل المستقبل اذا ازفت “ساعة الحقيقة”.
حملة تصفية الحسابات مع حزب الله والتيار الوطني الحر وحلفاء سورية التي اطلقها خطباء الذكرى الاولى لاغتيال اللواء وسام الحسن لا تشير الى ادراك لما يجري حول لبنان وعلى بعد آلاف الكيلومترات منه، فلغة الاتهام السياسي ورمي التهم من دون اثباتات او قرائن او اعلان لنتائج في قضية سماحة -مملوك او اغتيال الحسن وصولاً الى قضية الغريب -حوري -دياب، لم تعد جاذباً لجمهور بات يشعر بالاحباط وانه يدفع ثمن دعمه لطبقة من السياسيين كلما زادت خسائرها كلما ارتفع صراخها وكثرت اتهاماتها ومنذ العام 2005 حتى الآن كثيرة الجعجعة وعديمة الطحن والطحين.

السابق
هدوء حذر في طرابلس يخرقه القنص العشوائي
التالي
بقاء الأسد يعني نهاية سوريا