فلسطينيون يطلبون العمل تحت سقف جلّاديهم

جنى الحسن

أمام معاناة بعض أبطال قصصه، يشعر الراوي أحياناً بالعجز أو اللّاجدوى أو التقصير. بعض الروايات نكتبها بالدمع لتكون صرختنا ونبقى أمامها مستغرقين في العجز، متسائلين ما الفرق الذي قد تحدثه. هذا الشعور عبّرت عنه الكاتبة والمهندسة الفلسطينية سعاد العامري في كتابها “مراد مراد، لا شيء تخسره سوى حياتك”.

الكتاب أشبه بتحقيق صحافي طويل أو رحلة توثيقية لـ18 ساعة من حياة عامل فلسطيني بحثاً عن لقمة عيشه. الكتاب يروي حكاية الفلسطينيين الذين يتسللون خلسة إلى الأراضي المحتلة ليعملوا تحت إمرة جلّاديهم. في تلك الرحلة يأبى الإسرائيليون حتى منح تصاريح عمل ليصبح مشروعا حقهم بالعمل في أرضهم المسروقة.

أن تقرأ عن معاناة ما أمر مختلف كلياً عن أن تعيشها. ستطوي الكتاب بعد أن تحزن قليلاً وتضعه جانباً وتفكّر لبرهة ثم تكمل حياتك الطبيعية. وستتذكر أنّ جدار الفصل العنصري بني، للأسف، وللتاريخ، على أيدي العمال الفلسطينيين، وبحجارة مقالعهم.

لكن على الأقل بتنا نعرف: بتنا نعرف أنّ هناك عمّالا يمضون الليل بأكمله وهم يتسللون إلى أراضيهم خلسة ليقوموا بأشغالٍ بسيطة مقابل بعض من المال. بعض هؤلاء العمال يُلقى القبض عليهم من قبل جنود الاحتلال والبعض ينجح في العبور لينفّذ بعض الأعمال لجلّاده.

ليس على الفلسطينيين فحسب أن يعيشوا بلا حقوق بل أيضاً أن يعملوا لحساب جلّاديهم وأن يبنوا لهم منازل ينبغي أن تكون منازلهم وأن يهتموا بحدائق ينبغي أن تكون حدائقهم وأن ينظفوا شوارع وأماكن هي شوارعهم وأماكنهم.

لقد جسّدت سعاد العامري حالة اللاًمنطق هذا بسخرية ومرح. لم تكتب بأسلوب الوعظ الذي لا يجدي بل وصفت الأشياء كما هي لتتركنا نحن القرّاء في صدمة.

تعرف جيداً العامري أن المأساة الفلسطينية ليست في البكائيات واالحديث عن الظلم فحسب. وهي تشعر بالأسى لأنّ شعبها تقوقع على نفسه – أليس هذا التقوقع تحقيقاً للهدف الإسرائيلي؟ – وتعرف أنّ شعبها متروكٌ وحده، لكنّها تحاول. محاولة سواء عبر مشروعها “رواق”، وهو مركز معماري لإعادة ترميم واستغلال المباني الأثرية وحماية آلاف المواقع والمباني في فلسطين، أو عبر كتاباتها، التي تقرّبنا من الحقيقة. حقيقة أنّ الاحتلال ليس قتل الجسد والأشخاص فقط بل قتل كل ما يمتّ الى الهوية الفلسطينية بصلة: قتل بطيء عبر تجريد الفلسطيني من شعوره بالفخر وتحطيم معنوياته وكرامته وجرّه إلى كراهية هذا العالم برمّته.

سواء كانت هذه الكراهية محقّة أو، كانت لها أسباب كثيرة أو لا – فأنا لا يمكنني أن أنظّر على الفلسطينيين كيف يجب أن يشعروا – لخّصت العامري أيضاً نقطة بالغة الأهمية: “هذا هو الخطأ الكبير الذي ارتكبناه نحن الفلسطينيون والعرب، على حدّ سواء، إذ جعلنا من فلسطين وشعبها رمزاً للبؤس والأسى والموت، وكأنّه شعب يريد الموت، بدلاً من أن نروي الحقيقة لشعب أحبّ ويحبّ الحياة”.

حكاية مراد، رغم الأسى، حكاية شاب عنيد وشباب آخرين يبحثون عن بعض الحبّ والفرح وسط كل هذا المأساة. هي حكاية أبطال حقيقيين يغالبون الموت كل ليلة ويقفزون فوقه بينما الجميع نيام.

السابق
أوباما لسليمان: العدوى السورية تجعل الجوار دولاً مارقة
التالي
عمر الأطرش وحسن مرعي: مقارنة بين متهمين