الجمهورية: إتصال مُجاملة بين الحريري وجنبلاط

كتبت “الجمهورية ” تقول:  فيما يكابد لبنان منذ أكثر من ستة أشهر أزمة تأليف الحكومة ويسيّر شؤونه بحكومة تصريف أعمال، ويعيش واقعاً انتظاريّاً لما ستؤول إليه التطوّرات على الجبهتين السورية والإيرانية، تجاوزت الولايات المتحدة الأميركية أزمة موازنتها الماليّة برفع سقف دينها بموجب قانون أقرّه الكونغرس ووقّعه الرئيس باراك أوباما الأميركي مُنهياً الشلل الحكومي. وفي انتظار الجولة الجديدة من المفاوضات “النووية” بين إيران والدول الخمس زائداً واحداً في 7 و8 من الشهر المقبل في جنيف، ينصبّ الاهتمام الدولي على التحضير لمؤتمر جنيف ـ 2 الذي أعلنت سوريا أنّه سينعقد في 23 و24 الشهر المقبل، فيما أكّدت روسيا أنّ موعده هو من اختصاص الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، لا المسؤولين السوريين، وأعلن الائتلاف السوري المعارض أنّه لم يبلّغ بتحديد هذا الموعد بعد.
أعلنت منظّمة حظر الأسلحة الكيماوية المكلّفة الإشراف على تدمير الترسانة الكيماوية السورية أنّها فتّشت نحو نصف المواقع المتوجّب إزالتها من الآن حتى منتصف 2014، ورأى وزير الخارجية الأميركي جون كيري أنّ مخزون الكيماوي السوري يمكن شحنه الى خارج البلاد لكي يدمّر بطريقة آمنة في مكان آخر.
لكنّ كيري أوضح “أنّ تعاون الرئيس السوري بشّار الأسد مع المجموعة الدولية لتسليم “الكيماوي” لن يساعده على البقاء في السلطة ولا يعني أنّه استعاد أيّ شرعية”، وقال: “يمكن إزالة هذه الأسلحة، سواءٌ أكان الأسد موجوداً أم لا، لأننا نعلم مكانها، ولقد تمّ الإعلان عن مواقعها، ويتمّ تأمينها”.
وفي تطوّر ميداني سوريّ لافت، قُتل رئيس فرع الإستخبارات العسكرية في دير الزور اللواء جامع جامع، وقد بثّ التلفزيون السوري الرسمي أنّه سقط برصاص مسلّحين إرهابيين في المدينة.

النووي الإيراني
في غضون ذلك، تستمرّ ردود الفعل الدولية على المفاوضات بين ايران والدول الست في جنيف. وفي موازاة الإشادة الأميركية والبريطانية والأوروبية بالاقتراح الإيراني، جدّدت اسرائيل التي يجتمع رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو مع كيري في روما الأربعاء المقبل، تأكيدها “أنّ إيران سوف تُختبَر بإجراءاتها العملية”. أمّا طهران فدعت الإدارة الأميركية الى الإفادة من “الديبلوماسية الإيجابية والبنّاءة” التي تنتهجها، معتبرةً انّها “فرصة تاريخية لا تتكرّر”.

“حقّ لا نمتلكه”
وقد أرخت الأجواء الإيجابية التي رشحت من مفاوضات جنيف بظلالها على الساحتين الدولية والمحلية، فاعتبر رئيس مجلس النواب نبيه برّي ما حصل حتى الآن “بمثابة انتصار للديبلوماسية الإيرانية في إدارة ملفّاتها السيادية والاستراتيجية، وفي مقدّمها حقّها كأيّ دولة بامتلاك التكنولوجيا النووية للأغراض السلمية”. ودعا إلى “استخلاص الدروس والعبر ممّا جرى ويجري وسوف يجري في جنيف، بأنّ أقصر الطرق الى مقاربة أيّ قضايا خلافية مهما كبر شأنها أو صغر هو طريق الحوار والديبلوماسية”.
وقال: “فلنستحضر في الداخل مجدّداً هذا الدرس، ليس تكريساً لحقّ نوويّ لا نمتلكه، إنّما تكريسًا لحقّ كلّ لبنانيّ بأن يعيش في وطن مكتمل السيادة على أراضيه ومياهه وثرواته، وأن ينعم بالنعمتين المجهولتين اللتين يستسهل البعض التفريط بهما وهما الأمن والأمان”.

نداء سليمان
في غضون ذلك، يبدأ رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان اليوم لقاءات ديبلوماسية واقتصادية لتزخيم الخطوات لترجمة المقرّرات السياسية للمؤتمر الدولي من أجل لبنان الذي انعقد أخيراً في نيويورك، على هامش أعمال الجمعية العمومية للأمم المتحدة وتسييلها قرارات إقتصادية وعسكرية.
وعلمت “الجمهورية” أنّ سليمان سيواكب هذه اللقاءات بنداء سيطلقه اليوم أمام سفراء الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن وممثلي البنك الدولي والهيئات المانحة الدولية، ويلفت فيه الى حاجات لبنان ومساعدته على تجاوز التداعيات الكبرى للأزمة السورية على البلد الصغير الذي فتح معابره لاستقبال مئات ألوف النازحين، وتقديم الحدّ الأدنى من المساعدات، وضرورة تقاسم وإعادة توزيع منطقية لحجم النزوح قدر الإمكان، والتخفيف من حدّة الضغوط التي تركها وجود ما يزيد على مليون و360 ألف سوري بين نازح وعامل في لبنان، عدا التوقّعات التي تتحدّث عن دخول مزيد من النازحين إذا استمرّت العمليات العسكرية، خصوصاً في المناطق المتاخمة للحدود اللبنانية.
وقالت مصادر شاركت في الإعداد لهذه اللقاءات إنّ سليمان ومعاونيه يجهدون على مسارين: الأوّل، ضبط الوضع الداخلي وتهدئة التطوّرات لمواكبة الدعم الديبلوماسي وحجم التفهّم الخارجي لحاجات لبنان، بالإضافة الى تسييل هذه القرارات السياسية الداعمة قرارات إقتصادية وماليّة لتعويض لبنان جرّاء النتائج السلبية التي تركتها الأزمة السورية على كلّ المستويات.

دوّامة التأليف
وعلى وقع الحراك الدولي، تستعيد الحركة السياسية بعض نشاطها بعد انتهاء عطلة عيد الأضحى ويعود الضوء الى ملف تأليف الحكومة الدائر في دوّامة الشروط والشروط المضادة وغياب أيّ خرق إيجابي فيه، على رغم تصاعد الدعوات الى وجوب تسهيل مهمّة الرئيس المكلّف تمّام سلام.
واعتبر “حزب الله”، بلسان النائب علي فياض، أنّ “المسار الذي سيأخذه تأليف الحكومة، مهما كابر البعض في الداخل والخارج، لا يمكن أن يتجاوز المقاومة”، مؤكّداً أنّ “ما نمرّ به هو وقت ضائع يدفع اللبنانيون ثمنه من كِيسهم، لكن في النهاية لن تكون إلّا حكومة 9+9+6، ومن يظنّ غير ذلك واهم وسيستفيق من وهمه عاجلاً أم آجلا”.
وفي المقابل صدرت مواقف عن بعض نوّاب كتلة “المستقبل” وفريق 14 آذار تعارض حكومة 9 + 9 + 6، وتتمسك بحكومة 8 + 8 +8. وقالت مصادر قيادية في قوى 14 آذار لـ”الجمهورية” إنّ صيغة 9 + 9 + 6 تشكّل تسليماً بمطالب “حزب الله” وفي طليعتها الثلث المعطل الذي وضعه الحزب شرطاً أساسيا لتأليف أيّ حكومة جديدة، الأمر الذي يعني منحه قدرة التحكّم بعمل الحكومة ومصيرها، والتجربة معه إبّان حكومة الرئيس سعد الحريري غير مشجّعة على الإطلاق، إذ انقلب على اتفاق الدوحة الذي ينصّ على عدم الاستقالة باستقالته من الحكومة بهدف إسقاطها والذهاب نحو واقع جديد.
ورأت هذه المصادر أنّ تأليف أيّ حكومة يدخل في صلب صلاحيات رئيسي الجمهورية والحكومة، ودعتهما إلى المبادرة سريعاً لتأليف حكومة متوازنة تستطيع إدارة المرحلة الانتقالية في البلاد. ورفضت إدخال أعراف جديدة على الحياة السياسية من قبيل الثلث المعطل.

تداعيات مواقف جنبلاط
في هذا الوقت، ظلّت تداعيات مواقف رئيس “جبهة النضال الوطني” النائب وليد جنبلاط الأخيرة، تثير زوبعة في صفوف قوى 14 آذار عموماً وتيار “المستقبل” خصوصاً، الأمر الذي حال دون انعقاد اللقاء بين الرئيس سعد الحريري وجنبلاط في باريس، واقتصار التواصل بينهما على اتصال هاتفي لم يتعدَّ مضمونه حدود الإطمئنان الصحّي المشترك وتبادل المعايدة بعيد الأضحى.
وقالت مصادر قريبة من “المستقبل” إنّ جنبلاط لم يكن مضطرّاً إلى وضع نفسه في مواجهة مع ثلاث قوى كانت تربطه بها علاقة تنسيق وتواصل:
“أوّلاًـ اصطدامه مع رئيس الجمهورية من زاوية تزكيته استمرار الحكومة “الميقاتية” في حال تعذّر إتمام انتخابات رئاسية، في حين يعلم جنبلاط أنّ سليمان يرفض مغادرة بعبدا في ظلّ استمرار حكومة فئوية.
ثانياًـ اصطدامه مع الرئيس المكلّف من زاوية إسقاط 8+8+8 وتعويم الحكومة الميقاتية على حساب حكومة متوازنة يرأسها سلام.
ثالثاًـ اصطدامه مع الحريري من زاوية إعادة الاعتبار للحكومة التي غيّبت “المستقبل”، فيما يرفض تأليف حكومة تغيّب “حزب الله”، فضلاً عن الاتهامات المجحفة في الملف السوري”.
وقالت المصادر “إنّ جنبلاط تبنّى وجهة نظر “حزب الله” كاملة من دون الأخذ في الإعتبار وجهات النظر الأخرى، الأمر الذي أفقده موقعه الوسطي ووضعه في خانة 8 آذار، فيما كان الحريّ به أن يعمل انطلاقاً من موقعه السابق على الدفع في اتجاه مساحة مشتركة، هذه المساحة التي أسقطها مجدّداً نتيجة قراءاته الإقليمية الخاطئة”.

إيضاحات جنبلاطية
وكان جنبلاط أوضح أنّه وصل الأحد إلى باريس التي قصدها لإجراء بعض الفحوص الطبّية، في طائرة النائب نعمة طعمة الخاصة. وأشار الى أنّ سبب رحلته الى العاصمة الفرنسية هو للعلاج من آلام في ظهره، وقد رافقه في جولاته على الأطبّاء في باريس طبيب العائلة غطّاس خوري الذي أبلغه أنّ الحريري موجود في باريس لأسباب طبّية أيضاً، لافتاً إلى انه على اثر ذلك هاتفَ الحريري الاربعاء الماضي واطمأنّ الى صحته.
وأكّد جنبلاط أنّ زيارته لفرنسا تقتصر على العلاج والنقاهة فقط، ولا تشمل ايّ لقاءات سياسية.

إجتماع مسيحيّ
إلى ذلك، علمت “الجمهورية” أنّ اجتماعاً للأحزاب المسيحية عقد امس بعيداً من الأضواء في مؤسّسة الأبحاث والدراسات المسيحيّة في زوق مصبح، بدعوة من البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، الذي انتدب كلّاً من المطران سمير مظلوم والوزير السابق روجيه ديب لتمثيله فيه، وحضره عن حزب الكتائب نائب الرئيس سجعان القزي، والنائب ايلي كيروز عن “القوات اللبنانية”، والوزير سليم جريصاتي عن “التيار الوطني الحرّ”، والوزير السابق سليم سعادة عن “تيار المردة”، اضافة الى رئيس الجامعة اليسوعية الأب سليم دكاش، والسفير السابق عبدالله بو حبيب. وقد دُعي الى الاجتماع ايضاً كلّ من نائب رئيس مجلس النواب ايلي الفرزلي ومنسّق لقاء سيّدة الجبل الدكتور فارس سعيد لأنه سبق لهما أن قدّما للبطريرك الراعي ورقتي عمل قبل سفره الى الفاتيكان.
إلا أن المعلومات تضاربت بشأن حضور سعيد أو عدمه، وبحث المجتمعون في الشؤون الوطنية انطلاقاً من ضرورة الحفاظ على الحياة الميثاقية، وفي قضايا تهمّ المسيحيين في لبنان والمشرق، وخرجوا بانطباع ايجابيّ حيث كان البحث مثمراً، حسب ما قالت مصادر كنسية لـ”الجمهورية”.من جهة ثانية، تستأنف اللجان المكلفة البحث في الملفات التي تهمّ المسيحيين، اجتماعاتها الاثنين المقبل في بكركي.

مخطوفو أعزاز
من جهة ثانية قفزت قضية المخطوفين اللبنانيين في أعزاز أمس الى الواجهة، ومعها قضية الطيارين التركيين، في ضوء المعطيات التي انتهى اليها الإتصال الهاتفي الذي حصل صباحاً بين سليمان وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد بن خليفة آل ثاني، من دون الإشارة الى ايّ جديد يتصل بملف المطرانين بولس اليازجي ويوحنا ابراهيم، المخطوفين في شمال حلب منذ 23 نيسان الماضي.
وذكرت مصادر اطّلعت على مضمون الإتصال انّ سليمان عايد أمير قطر بالأضحى وعرض للدور القطري في تسهيل تبادل المخطوفين وشكر له جهوده مُتمنّياً عليه استعجال الخطوات لإطلاق المخطوفين في ضوء الإستعدادات السورية لملاقاة مطالب الخاطفين.
ولفته الى حجم المخاوف اللبنانية من احتمال تعرّضهم للأذى نتيجة النزاع الدائر في محيط مكان إحتجازهم في اعزاز والتطوّرات المتصلة بالملف، في اعتبار انّ قطر طرف اساسيّ منذ بداية المساعي وساهمت في الإتصالات الجارية بين بيروت وأنقرة لتوفير مخارج لهذه القضية.
وأضافت المصادر أنّ أمير قطر وعد سليمان بإجراءات عاجلة مؤكّداً أنه سيفعل ما يلزم، قائلاً له حرفيّاً: “فخامة الرئيس، اعتبر انّ الموضوع منتهٍ، وأمهِلني بعض الوقت لإجراء الإتصالات اللازمة”.
وقد أبلغ سليمان الى وزير الداخلية مروان شربل هذه المعطيات، فنقلها على عجل الى المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم ليكون مستعدّاً لأيّ اتصال قد يرد اليه من الوسيط التركي للتحرّك سريعاً ومواكبة التطورات الإيجابية.
وفي ساعة متقدمة من فجر أمس الأول، تلقّى ابراهيم اتصالاً يفيد عن تطورات ايجابية منتظرة في الساعات المقبلة قد تفضي الى إقفال هذا الملف، وكذلك ملف الطيارين التركيين المخطوفين نظراً للإرتباط بين الملفين.
وعلى هذه الخلفيات والمعطيات الجديدة، قطع ابراهيم مشاركته في مؤتمر “القمة الدولية حول الجريمة عبر الحدود” المنعقد في بروكسل بعدما قدّم مداخلته في الجلسة الأولى من أعمال المؤتمر، ليتوجّه بعد ظهر أمس سريعاً الى أنقرة لمواكبة التطورات العاجلة في ملف مخطوفي إعزاز وما له من علاقة بملف الطيارين التركيين المخطوفين.
بعد عودته من تركيا ليلاً إلى بيروت لمقارنة بعض المعلومات، قال ابراهيم لـ”الجمهورية”، إن “الأمور وصلت الى مراحلها الأخيرة، والأجواء إيجابية وتتطلب بعض الجهود الإضافية للوصول الى نهاية هذه العملية”. ولفت إلى “أننا على الطريق الصحيح ولا تأخير، لأن ما يحصل طبيعي في المرحلة الأخيرة من المفاوضات التي تعتبر الأدق وتحتاج الى عناية وسرية تامة”.
وشدد على أن “كل الأطراف يبدون مرونة في التعاطي وسأعود الى تركيا اليوم لاستكمال عملية التفاوض وربما أزور سوريا لاحقاً”. وأكد ابراهيم أن “المخطوفين سيسلّمون دفعة واحدة”، مشيرا الى أنّ “لائحة السجينات في سوريا تتضمّن 110 أسماء من جنسيات سورية وعربية”.

شربل
وقال شربل لـ”الجمهورية”: “إنّنا ننتظر تطوّرات ايجابية بعد اتصال رئيس الجمهورية بأمير قطر، وإنّ تضافر الجهود المبذولة وإنْ لم ينهِ الملف قبل عيد الأضحى، فمن الجيّد أن ينتهي بعد العيد، وفي نهاية هذا الأمر عيد إضافي”.
وأكّد انّ الإتصال بين سليمان وأمير قطر زاد من الآمال المعقودة لإنهاء هذا الملف سريعا”. ورفض كشف أيّ تفاصيل، واصفاً مهمّة ابراهيم بأنّها “حسّاسة”، وقال: “هناك ترتيبات دقيقة ونهائية نأمل في أن ينجزها، وهناك اسئلة طلبنا أجوبة عليها ردّاً على اسئلة أجبنا عليها نحن ايضاً، وآمل أن تمرّ الساعات المقبلة في خير”.

السابق
الأخبار: ودّ مستجد بين بري وعون
التالي
البناء: مصادر أمنية المخاوف تتزايد من التفجيرات ووضع طرابلس يتطلّب عملية جراحية