ليالٍ بلا نوم: أم جنوبية تبحث عن ابنها المخطوف

ليال بلا نوم
"ليالٍ بلا نوم" فيلم وثائقي غير تمثيلي للمخرجة اللبنانية إليان، الراهب يتلخص في أن مسؤول المخابرات السابق في "القوات اللبنانية" أسعد شفتري يحاول التطهّر من الدماء على يديه خلال الحرب، بأن بأن يساعد أما جنوبية، مريم سعيدي، في البحث عن إبنها لذي كان مقاتلاً في الحزب الشيوعي واختفى أثره عام 1982.

كلٌّ منهما يبحث عن خلاصه، هي، الأم مريم السعيدي، من الألم، وهو، القاتل السابق في “القوات” أسعد الشفتري، من الندم. وبينهما العديد من الشخصيات التي تدَّعي القدرة على النوم في مجتمع لا يجد علاجاً حقيقيّاً لجراحه، ولا يحاول ذلك.

في الآتي حوار أجراه موقع “جنوبية” مع مخرجة الفيلم:

نادراً ما يكون الفيلم الوثائقيّ سجاليّاً أو إشكاليّاً صِرْفاً، كما جاء وثائقيُّكِ الجديد “ليال بلا نوم” المتّصف بنقديّته العالية، بل الحادّة، بتوجيهه رسائل “تحذيريّة”، في أكثر من اتجاه، رسميّ وشعبي، لبناني، فما هو دافعِكِ لتحقيقه على هذا النحو؟

ليست هذه المرة الأولى التي يكون فيها فيلمي الوثائق نقديّاً. فعادة ما تكون أفلامي الوثائقية نقديّةً، ذلك لأنني أُحبُّ أن تعكس صورةً للمجتمع الذي هو بطبيعته إشكاليٌّ، وإنّي أستعمل السينما لأسائل هذا المجتمع. و”ليال بلا نوم”، في هذا السِّياق، هو تكملةٌ لنهجي الذي بدأته في أفلامي السابقة. واختياري، في هذا الفيلم، للشخصيات والموقف، هو خيارٌ ليس بريئاً، بسبب من أنّ هذه الشخصيات، والحالات التي أعالجها هي إشكاليّة.

“ليال بلا نوم”، يُثير أسئلة، جهد أطراف الحرب الأهلية اللبنانية كافة، تغييب أجوبتها إلى ما لا نهاية. بالرغم من ذلك، فإنه، فيما يطرحه، لم يقدّم أي جواب حاسم مطلوب، في هذا الشأن، فلماذا؟

ذلك لأنني أنا، إنما في هذا الفيلم، أجاوب على أسئلتي الشخصية، والتي هي، يمكن أن تكون أسئلة جيل كانت طفولته كلها في الحرب. وجئنا نسأل – بعد الحرب – لماذا حصلت، وكيف ينخرط فيها الناس، ومدى تأثيرها عليهم نفسياً بحسب مواقعهم الاجتماعية، وأنا، في هذا الفيلم (ليال بلا نوم) تناولتُ حالة خاصة، هي، حالة شخصية أسعد شفتري (الرجل الأمنيّ في “القوات اللبنانية” خلال الحرب الأهلية). ثم جاء تناوُلي لشخصية مريم سعيدي (أمّ الشاب المفقود منذ العام 1982 ماهر قصير)، فانقسمت أسئلتي – بشكل رئيس – في ما بين هاتين الشخصيتين (بطلي الفيلم)، وتوزعتْ على باقي الشخصيات، التي تدور في فلكهما في الفيلم. من هنا فأنا لا أدّعي أنني وثّقت للحرب الأهلية اللبنانية. فإنني قد عالجت زاوية معيّنة، التقى فيها قضيَّتي بطلي الفيلم. وإنني أدعو مخرجين آخرين لأن يتناولوا قصصاً أخرى متعلّقة بالحرب الأهلية، ليقدّموا أجوبة أخرى على أسئلتها.

بطلا هذا الفيلم لكلٍّ منهما قضيّته الخاصّة تماماً به، المتنافرة والمتناقضة مع القضيّة الأخرى المقابلة لها. فأسعد الشّفتري الذي يقدّم اعترافاته العلنية بجرائمه التي ارتكبها خلال الحرب الأهلية اللبنانية، هو يتلمَّس الصّفح والغفران عنها. ومريم سعيدي المفجوعة بفقدان ابنها، هي المتلهّفة في الكشف عن مصيره المجهول. وبالرغم من معالجة الفيلم، وبالمستوى ذاته من القوّة، هاتين القضيّتين، إلاّ أنني، وكما أرى، أنك أوكلت إلى مريم دور الشاهدة، لا أكثر، على اعترافات أسعد…

لا أعرف ماذا تقصد بكلمة “شاهدة”. فمريم – بالنسبة لي – تواجه كلّ من يقف عثرة في طريق التوصّل إلى أي معلومة عن ابنها. وهي تبحث، ولم تتنازل عن قضيّتها، وهي تتهم كل المجتمع، بكل أطيافه، لأنها وجدته أنه تنازل عن هذه القضية الجوهرية.

أعلنت في مقابلة صحافية حول هذا الفيلم “أن اللبنانيين جميعاً هم بحاجة فعلية إلى الدخول في “مرحلة العدالة الانتقالية” هي التي تأتي عادة بعد الحرب”، فهل ترين أن مضمون هذا الفيلم يساهم في خدمة هذا التوجُّه؟

أرى أن مضمون الفيلم، هو بمثابة إنذار للبنان ككلّ. فبعد ثلاثة وعشرين سنة من صدور العفو العام، ونهاية الحرب، لا تزال جراح الناس مفتوحةً على المجهول، ذلك لأن كل شيء صنع الحرب الأهلية اللبنانية، لا يزال كامناً وينتظر فرصة لينطلق من جديد.

بعد أن أصبح هذا الفيلم – وكأيّ عملٍ إبداعيّ – ملك الناس جميعاً – ما هو رأيك الشخصي فيه، من خلال نظرتك إليه بعينٍ محايدة؟

لم يحن الوقت بعد لي، لأُحدِّد نظرتي المحايدة تجاه هذا الفيلم.

لماذا عرِضَ هذا الفيلم، عالميّاً وعربياً، قبل أن يعرض في لبنان؟

عُرِض هذا الفيلم للمرَّة الأولى في لبنان، في العام الماضي في 13 نيسان، ذكرى الحرب الأهلية. وعَرْضه اليوم، هو عرض تجاريّ.

يذكر أنّ العروض التجارية بدأت في 10 تشرين الأول 2013 داخل صالات “متروبوليس” (مركز صوفيل الأشرفية) و”فوكس” (“سيتي سنتر” الحازمية) و”برايم بلس” (شارع بلس).

السابق
الشرق الاوسط: خلوة وطنية في لبنان لإعادة جمع أبناء طرابلس ونبذ العنف والخلافات المذهبية
التالي
مقتل مواطن على اوتستراد انطلياس