ميثاقية آخر زمان

حسان الرفاعي

– نصت الفقرة “ي” من مقدمة الدستور اللبناني على أن “لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك”.

– لجأ بعض السياسيين من فريق 8 آذار، خصوصاً أولئك القيمون على تمثيل الطائفة الشيعية، إلى هذه الفقرة من الدستور في كل مرّة أرادوا التصدي أو تعطيل قرار سياسي محصنٍ بالأكثرية النيابية أو الحكومية ولا يعجبهم. وقد اعتمدوا من أجل ذلك تسميات ومصطلحات جديدة مثل القول: هذه حكومة غير ميثاقية، وتلك جلسة تشريعية أو حكومية غير ميثاقية أو هذا قانون انتخابي غير ميثاقي…

– إن الركون إلى هذه البدع يؤدي إلى إعطاء ممثلي كل طائفة أو مذهب حق نقض وعرقلة أي قرار مرتبط بالحياة العامة للبنانيين ويثبّت فكرة أن مجرد مقاطعة ممثلي أكثرية مذهب معين لأي اجتماع ينزع عن هذا الاجتماع صفة الميثاقية. وبالتالي، بحسب هؤلاء، يجعله اجتماعاً غير شرعي لا يمكن أن تصدر عنه قرارات شرعية!! لنصير أمام اختراع يقلب رأساً على عقب المفاهيم الديمقراطية المبنية على حكم الأكثرية ومعارضة الأقلية.. فالتصويت على قانون أصبح يحتاج إلى جانب أكثرية الأصوات ألا يرفضه ممثلو أكثرية طائفة أو مذهب ما.

– يضاف إلى ذلك أن بدعة الميثاقية هذه تؤدي إلى مخالفة صريحة لما ورد في الفقرة “ب” من مقدمة الدستور التي أكدّت أن “لبنان ملتزم بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان”. كما وإلى مخالفة ما ورد في الفقرة “ج” من المقدمة نفسها، التي نصت على التالي: “إن لبنان قائم على المساواة في الحقوق والواجبات بين جميع مواطنيه دون تمايز أو تفضيل”. وعليه فبدعة الميثاقية هذه هي الأداة التي يستعملها حزب الله وحركة أمل لكي يعلنوا أن توزير أو تعيين أي شخص من الطائفة الشيعية مهما علا شأنه وكثر علمه هو توزير أو تعيين غير ميثاقي وغير شرعي إن لم يلق مباركة الحزب والحركة!! وهكذا يصبح المواطن اللبناني مفروزاً بين فئة من يمثل مذهبه وفئة من لا يمثل، وةهكذا يصبح مقهوراً، مذلولاً منقوص المواطنة. فقط لأنّ القيمين على معبد طائفته قررّوا تجريده من حقوقه وطرده من المعبد..!

لقد أصبح مواطناً “يناقض ميثاق العيش المشترك”، كما أن مجرد تعاطي السلطات اللبنانية معه لتوزيره، على سبيل المثال، سيحتّم انفلاش سرايا الجماهير المبرمجة في شوارع العاصمة لاستعادة الميثاقية المنتهكة.

– من حقنا اليوم أن نسأل كيف أن استقالة وزراء مذهب معيّن (استمروا في تصريف أعمال وزاراتهم على أوسع نطاق) جعل حكومة الرئيس سنيورة غير ميثاقية وعرجاء وبتراء… في حين أن مجلس نواب سنة 1992 الذي انتخب في ظل مقاطعة مسيحية مارونية معلنة من رأس الكنيسة لم يؤد إلى اعتبار مجلس النواب وقتها غير ميثاقي هو وكل أعضائه وكل التشريعات التي صدرت عنه؟

– أمام هذه الهجمة الغوغائية على الدستور ومفاهيم الديمقراطية لا بدّ من التذكير أن في لبنان ميثاقا وطنيا واحدا هو ميثاق سنة 1943 الذي يُختصر بشعار “لا شرق ولا غرب” والذي رفعه الرئيس رياض الصلح في البيان الوزاري لأول حكومة له بعد الاستقلال.

أما “ميثاق العيش المشترك” فهو مفهوم مطاط يلجأ إليه اليوم كل من لم تعجبه الأحكام المكتوبة في دستورنا لكي يسمح لنفسه بإدخال مفاهيم تناقض أو تعرقل هذا الدستور وحياة اللبنانيين. علماً أن الرئيس صائب سلام عرّف هذا الميثاق في آذار 1989 وعلى أبواب انعقاد مؤتمر الطائف بالتالي: “إن ميثاق العيش المشترك بين اللبنانيين هو نتيجة تفاعل تاريخي تكرس في التوافق الوطني القائم على المساواة فيما بينهم، وعلى احترام حرياتهم ومعتقداتهم، وعلى وجوب انضوائهم في ولاء تام للوطن الواحد، وهذا الميثاق المقدس ثابت لا ينقض، وهو الأساس الذي بني عليه لبنان كياناً ودستوراً ونظاماً، ولا يكون لبنان بدونه”…

هو تعريف واضح يؤكد على المساواة بين اللبنانيين كمواطنين ولا يتضمن أي تلميح لأية اعتبارات طائفية ومذهبية.

يبقى أن ندعو مَن عنده تعريفاً آخراً للميثاقية أن ينشره تعميماً للفائدة….

وعليه من حقنا السؤال: “أين زعماء اليوم من زعماء البارحة وأين الجيل السياسي الذي أفرزته الحرب من رجالات الاستقلال؟!”.

حرام لبنان.

* عضو المكتب السياسي في تيار المستقبل

السابق
انفجار الوضع الامني في طرابلس وارد
التالي
وليد عسيران: قرار الضم والفرز علمي أو سياسي؟