الحجاب: من الفخر.. إلى ستار للخطأ

حجاب
كانت غير المحجبة جنوب لبنان ترشق بالحجارة في الثمانينات. أما اليوم فصارت غير المحجبة تجد لها مناصرين، لأنّ المحجبات لم يقدمن نموذجا يحتذى به في مناحي علاقاتهن وأعمالهن كلّها. وصارت "السافرة" تجد تعتبر "أكثر صدقا" من محجبات يستعملن الحجاب كغطاء للسيّء من الأعمال.

خلال المرحلة الجامعية كانت زميلتي منى ترتدي عباءة سوداء شرعية وترافقها زميلة لها تلبس يوميا تنورة (ميني) لا ترتفع عن ركبتيها. وكان ثمة شاب ايراني يدرس في الجامعة نفسها، يقول: “لا يمكن مشاهدة هذا المشهد الا في لبنان”. وكان يعتبر ذلك امرا غريبا عجيبا.

بعد سنوات، عدت والتقيت بالصبيتين وكانت كل منهما قد غيّرت شكل لباسها. فصاحبة العباءة الشرعية غيّرت الى التنورة والقميص، تحت الحجاب طبعا. أما صاحبة التنورة (الميني) فقد ارتدت فولارا مزركشا على رأسها مع ستر ركبتيها ببنطلون ضيّق يعرف بـ(الفيزون).

هذان الشكلان من الحجاب متداولان بكثرة في لبنان. الا ان الظاهرة لم تصل الى ما تشهده مصر من اشكال لا تعد ولا تحصى لدرجة ان باحثة كدلال البزري تناولت في أحد كتبها الموضوع بالتفصيل. مع  الاشارة ان الحجاب كان ولا يزال مثار بحث وجدل منذ زمن. حتى ان العلامة الراحل عبدالله العلايلي اعتبره “غير واجب شرعا”.

كما خلص الباحث الازهري الشيخ مصطفى محمد راشد الى ان “الحجاب ليس فريضة اسلامية”، في دراسته التي اشارت الى ان “تفسير الآيات بمعزل عن ظروفها التاريخية وأسباب نزولها أدى إلى الالتباس وشيوع مفهوم خاطئ حول حجاب المرأة في الإسلام، المقصود به غطاء الرأس، الذي لم يُذكرلفظه في القرآن الكريم على الإطلاق”.

وبعيدا عن حجيّة القائل بوجوبه أم عدمه برزت منذ سنوات اشكالا جديدة من الحجاب تراوحت بين التشدد الذاهب الى نفي الجسد كليّا، بواسطة ارتداء العباءة من أعلى الرأس إلى أخمص القدمين، او الى اظهار كامل الجسد لكن بغطاء من الاقمشة.

وفي هذا الاطار، تبرر رويدا (35 عاما) حجابها “المودرن” بالقول: “أعرف أن حجابي خاطئ، او غير مكتمل، ولكن لا يمكنني أن أعرض جمالي الا من خلال طريقة ملابسي والإكسسوار الذي أرتديه”.

من هذا نجد ما تعيشه الصبايا من صراع بين الموضة المتوفرة بالسوق ونظرات الناس الناقدة لتلك الملابس.

مع الاشارة الى ان العباءة الشرعية السوداء لم تكن مقبولة تماما في لبنان، وكانت احتجت وقتا طويلا ليقبلها المجتمع. ولا زال البعض يذكر الصراع الذي كان يدور بين الأهل وبناتهن اللواتي قررن ارتدائها مع انطلاقة حزب الله اواسط الثمانينات.

في مقابل العباءة السوداء، الحوزوية المنشأ، اي انها الابنة الرسمية لمجتمع رجال الدين الشيعة، جاء حزب الله وعقيدته المتزمتة دينيا ليجعل هذا اللباس شعبيا ونوعا من رمز سياسي له.

وقد ساهمت فلسفة حركة أمل، المحليّة، في نشر نوع من الحجاب الكوكتيل، كرّد وتمييز لجماهيرها في فترة كان الصراع بين الطرفين قد وصل الى ذروته في مرحلة ما عرف بـ”حرب الإقليم”، منتصف الثمانينات. وحينها كانت حركة “أمل” توقف كل لابسة عباءة على حواجزها لتحقق معها باعتبارها من عناصر الحزب.

وبما أن الحجاب وُجد كي لا تتعرض المرأة للأذى وهدفه الحجب درءا للاثارة والشهوة كما يقول رجال الدين، يؤكد الباحث هاشم بدر الدين في لقاء صحافي حول موضة الحجاب المزركش ان “المحجبة تعيش صراعا داخليا قاسيا، أوصلنا الى الاشكال الحالية من أقواس قزح الحجاب”.

وقد شهدت مرحلة ما بعد توقف الحرب الأهلية، منذ العام 1992، تغييرا في صورة المجتمع المتدين جنوبا وبقاعا وضاحية نحو مزيد من الانفتاح. فشهدنا تغييرا بارزا في ألبسة النساء تحت عناوين وحجج ربما تكون حقيقية: وهي العامل الصحي وما ترتبه العباءة السوداء على الجسد والنفس، او واقعية ترتبط بلزومية الإختلاط الاجتماعي وسهولة العمل والحركة و خلافه.

لكن اللافت ان حزب الله اعاد ضخ فلسفة لبس العباءة منذ فترة  قريبة لدرجة اننا عدنا لنشهد اعدادا هائلة من العباءات السوداء، قد يفسرها المعلقون على أنها ردة فعل ضد المذهبية الحادة الآخذة بالتنامي، كالقول انها لباس الزهراء ابنة الرسول (صلعم).

والعباءة الخليجية تختلف تمام الاختلاف عن العباءة الدينية الآتية من العراق ما قبل صدام 1968،  وايران ما بعد الثورة 1979 والتي تصل الى حد تغطية الوجه والكفين.

اما في الجنوب اللبناني، في مرحلة المد اليساري، فكان عدد المحجبات في القرى لا يتعدى اصابع اليدين. الا ان مجيء حركة “أمل” وسّع الطريق للحجاب الذي يشبه الى حد بعيد ما ترتديه بعض السيدات الكبيرات سنّا حاليّا. وهو قطعة قماش بيضاء على الرأس. وكانت بعض البلدات التي تبنّت خيار حركة “أمل” دينيا، كبلدات جبشيت والخرايب، تمنع دخول غير المحجبات الى درجة رشق (السافرات) بالحجارة من قبل اولاد القرية. ولا ازال اذكر ايضا ما حصل مع احدى القريبات في بلدة بريتال البقاعية، حيث أُحتجزت في المنزل خلال قيامها بواجب العزاء كونها “سافرة”.

أما اليوم فصارت غير المحجبة تجد لها مناصرين، لان المحجبات لم يقدمن نموذجا يحتذى به في مناحي علاقاتهن واعمالهن كلّها. فصارت غير المحجبة تجد متنفسا لها من خلال المؤيدين الكثر سواء في الجنوب او غيره من المناطق. وذلك باعتبارها “أكثر صدقا” من بعض المحجبات اللواتي يضعن الحجاب كغطاء للسيّء من الأعمال، في نواح مختلفة. و”أكثر صدقا” في عدم استعمال الدين كـ”غطاء”، والإعلان الصريح عن آراءهنّ.

السابق
سرقة مسنة بالخداع والاحتيال في القصيبة
التالي
لماذا يصمت الرجل عندما تغتصبه المرأة؟