إيران الدولة الوحيدة… المستقلَّة!

الذين أيديهم في النار ليسوا مثل الذين أيديهم خارجها. إنطلاقاً من هذا القول الشائع يفهم اللبنانيون الذين انكووا بنار الحروب معاناة الشعب السوري والشعب الليبي والشعب المصري والشعب اليمني وشعوب أخرى شقيقة. ويفهمون نفاذ صبرها وقلّة حيلة الدول العربية الكبرى وبطء العمل الدولي وخبث الدول الكبرى واهتمامها بمصالحها فقط. لكنهم يدعون الشعوب المذكورة وقادة ثوراتها وسادة انظمتها إلى تحكيم العقول أيضا والإنطلاق من المصالح. كما يدعونهم الى متابعة ما يجري في العالم ووعي خلفياته وأبعاده، وتالياً إلى وضع المخططات من أجل تحقيق الأهداف وتحديداً إنهاء الحروب الأهلية واعادة بناء الدول والاستقرار و”العيش المشترك” بين شعوبها.
ما هي التغييرات التي يفترض ملاحظتها ومراقبتها ومتابعة تطوراتها؟
أولها، بدء حصول تغيير جدّي في النظام الدولي الذي قام أواخر ثمانينات القرن الماضي على أنقاض الزعامة الثنائية الأميركية – السوفياتية للعالم والذي كرّس الزعامة الأحادية للولايات المتحدة. فروسيا وريثة الاتحاد السوفياتي لم ترتح يوماً للممارسة الأميركية تجاهها. فهي أوصلت حلف شمال الأطلسي إلى حدودها. وبدات نصب “دروع صاروخية” على حدودها. ولم تتورع عن التدخل في “شؤونها الداخلية” (المطالبة بالديموقراطية). وأجهزت على أي نفوذ لها خارج حدودها. ولهذا السبب تعمّد الروس استغلال الأزمة الخطيرة المزمنة بين أميركا وإيران ثم “الثورة السورية” بغية وضع حد للتجاهل الأميركي لها. ويمكن القول الآن وبثقة أن روسيا بوتين استعادت دور اللاعب الشرق الأوسطي القوي الذي يواجه واشنطن. والصين تسير نحو التحوّل دولة عظمى وشريكاً لأميركا في قيادة العالم ببطء ولكن بثبات. وهي قد تمر بمراحل داخلية صعبة لكنها في النهاية ستفرض نفسها. أما أوروبا فقد خسرت ومن زمان دورها لأسباب عدة قد يكون أبرزها اعتمادها عسكرياً على أميركا وانقساماتها رغم الاتحاد الذي يجمع دُوَلها منذ مدة طويلة.
وثاني تغيير هو “زعل” أو غضب دول اقليمية مهمة من أميركا رغم “تحالفها” غير المتكافئ معها جراء حاجتها الدائمة الى حمايتها العسكرية. وقد سمح لها “الربيع العربي” وتحديداً السوري بالتعبير عن “الزعل” بسبب تردُّد اميركا في حسم الأمور أو عجزها عن ذلك. فالمملكة العربية السعودية مثلاً منخرطة في سوريا ومصر الى الآخر وخلافاً لسياسة واشنطن لأنها تعتبر انتصار نظام الأسد وصولاً إيرانياً الى الرياض. وتركياً أيضاً تمتلك الشعور نفسه وتتصرّف على نحو مماثل. ولعل أفضل دليل على ذلك توقيعها صفقة أسلحة ضخمة مع الصين خلافاً لرأي أميركا. علماً ان الإثنتين متلاقيتان على “دعم” اخوان مصر. و”مصر السيسي” وثورة 30 يونيو الماضي منزعجتان من تردَّد أميركا في تأييدهما، ومن استمرار دفاعهما عن “الاخوان المسلمين” والرئيس المخلوع محمد مرسي. وقد ازداد انزعاجهما بعد تقليص المساعدات الأميركية لمصر وعبّرا عن ذلك علناً ورسمياً. فهل يدفع ذلك “السيسي” وزير الدفاع وقائد الجيش الى تكرار تجربة الرئيس الراحل عبد الناصر، أي إلى التوجّه إلى روسيا من دون ان يخشى تعرضاً إسرائيلياً له أو لبلاده لأن روسيا الجديدة هذه على علاقة سمن وعسل مع اسرائيل التي يهمها كما يهم أميركا استمرار التزام مصر معاهدة السلام معها. أما سوريا، ورغم حاجة نظامها الى حليفيه الأساسيين الوحيدين في العالم أي روسيا وإيران، فإنه يتعمّد تجاهل نصائحهما ويعتبر قبولهما ذلك انتصاراً لمنطقه، في حين أنه يؤكد تمسكهما به ورقة في صراعهما مع اميركا. والتغيير الثالث ولعله الأهم، وهو ليس حديثاً على الإطلاق، فهو “المثل” الجديد الذي تحاول الجمهورية الاسلامية الإيرانية أن تكرّسه في المنطقة. فهذه الدولة تعادي أميركا. وعلاقاتها مع دول أوروبا إما باردة وإما مقطوعة بسبب حلفها مع واشنطن. وعلاقتها الجيدة هي مع روسيا، لكنها صداقة وتعامل جيد وليس تحالفاً. ويعني ذلك ان استمرارها رهن باحترام المصالح الإيرانية. وعلاقتها مع الصين وغيرها تنطلق من المصالح. و”المثال” هنا هو أن ايران هذه الدولة الوحيدة في المنطقة “المستقلة” أي غير المرتهنة لأي دولة عظمى أو كبرى أو أي محور. ومشروعها الإقليمي الطموح على صعوبة استكمال تنفيذه يعني انها تفكر ان تصبح الدولة الاقليمية العظمى الوحيدة، وربما أن يكون لها دور دولي أكبر. طبعاً يفترض ان تكون الدول الكبرى على دراية بالتغييرات. فهل تتعلم منها وتعتبر؟

السابق
خطف مواطن من منزله في عرسال
التالي
لبنان البلا دولة كنموذج للمشرق العربي!