حماس وهدم الأنفاق ثلاثة خيارات لا رابع لها

على عكس ما يعتقد كثيرون باشر الجيش المصري حملة هدم الأنفاق على الحدود المصرية الفلسطينية قبل عزل الرئيس محمد مرسي بكثير وتحديداً منذ مجزرة الجنود المصريين الصائمين ساعة الإفطار رمضان قبل الماضي، آنذاك وصلت القيادة الأمنية والعسكرية إلى استحالة محاربة عزل، ومحاصرة الجهاديين في سيناء، ووقف تحول هذه إلى ساحة مستباحة أو إلى خرابة. كما قال وزير الداخلية السابق حبيب العادلي دون قطع صلتهم مع غزة التي لا تمر بالضرورة عبر حماس، وإنما عبر الجماعات السلفية الجهادية التي ترتبط بعلاقات وثيقة تكاد تصل إلى حد التوأمة مع نظيرتها في سيناء. الأيادي المقيدة تحررت نسبياً بعد عزل مرسي والعسكر الذين ينظرون إلى الأمور عادة من فوهة البندقية لم يملكوا الصبر والتأنّي للتمييز بين الأنفاق المدنية والعسكرية، أي تلك التي تستخدم لإيصال السلاح وانتقال المقاتلين من غزة إلى سيناء، وبالعكس فقرروا هدم كل الأنفاق ونقطة ع السطر. ووصل الأمر حتى إلى الإعلان عن إقامة منطقة عازلة بعرض 500 متر على طول الحدود بين مصر وغزة – 12 كم تقريباً – للقضاء نهائياً على قصة أو قضية الأنفاق وجعلها من الماضي.
للأمانة وللدقة لم تفكر القيادة المصرية في استهداف حماس أو غزة بشكل مباشر، ولكنها تصرفت على الطريقة العسكرية العربية والعالم ثالثية التقليدية، وهي قررت فعل كل شيء لهزيمة الجهاديين في سيناء، بغض النظر عن أي تداعيات أو أثار سلبية على حماس أو حتى على غزة بشكل عام.

ولكن في النتيجة أدى هدم الأنفاق أو معظمها – تسعين بالمائة في الحد الأدنى – وتشديد الحصار على غزة برّاً عبر إغلاق معبر رفح وفتحه للظروف الاستثنائية فقط، وبحراً عبر تقييد حركة الصيادين ومنعهم من العمل في المياه الإقليمية المصرية بعيداً عن قيود بحرية الاحتلال، إلى تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في غزة وتوقف أو شبه توقف تام في مناحي الحياة المختلفة، خاصة أن نصف حاجاتها كانت تأتي عبر الأنفاق وتحديداً في الأمور التي تمس الناس وحاجاتهم بشكل مباشر مثل الوقود المواد الغذائية ومواد البناء.
اعتمدت حماس على الأنفاق ليس فقط للتزوّد بالسلاح وتحسين قدراتها القتالية، وإنما لتوطيد سلطتها على غزة فثلث ميزانيتها – البالغة نصف مليار دولار تقريباً – يأتي عبر جباية الضرائب المباشرة على المواد التي تدخل عبرها إضافة إلى ذلك فإن 30000 عامل يرتبط عملهم مباشرة بها وبنشاطها، كذلك حال قطاع البناء وهو أحد أكبر القطاع الاقتصادية في غزة الذي يشغل نحو 60000 ألف عامل ويعتمد بشكل رئيس على مواد البناء المصرية الزهيدة التكلفة، والتي كان يتم إدخالها إلى غزة بشكل يومي عبر مئات الأنفاق الممتدة بين رفح المصرية والفلسطينية.

وجدت حماس نفسها في وضع لا تحسد عليه عاجزة للشهر الثاني عن دفع رواتب موظفيها – 20000 تقريباً – ولا تملك حول أو قوة للتأثير على الإجراءات أو السياسة المصرية السياسية في سيناء، وعلى الحدود المشتركة، فضاقت الخيارات أمامها لتصل إلى ثلاث فقط، وتتراوح بين المر والمرّ جداً: أولهما إنهاء الانقسام والمصالحة مع السلطة في رام الله بشروطها أو على الأقل بأفضلية واضحة لها في ضوء المتغيرات الإقليمية الأخيرة، كما قال صراحة القيادي الفتحاوي عزام الأحمد أو خلط الأوراق لجمع الناس حولها عبر إنهاء التهدئة والتصعيد ضد إسرائيل حتى لو وصل الأمر إلى حرب ثالثة كبيرة معها قد تسفر خلالها الدولة العبرية بغزة، في ظل الانشغال العربي الإقليمي والدولي بملفات أخرى. أما الخيار الأخير فتمثل بالصمود ومحاولة تخفيف قبضتها السياسية والأمنبة على غزة، واستعادة علاقتها مع طهران التي وصلت إلى ما تشبه القطيعة على خلفية الموقف الحمساوي – الأخلاقي والسياسي – المنحاز إلى الثورة السورية والرافض للمارسات النظام، والتي لامست حد ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بحق الشعب السوري الثائر.

المصالحة ليست في متناول اليد لانشغال الراعى المصري بهمومه وشؤونه الداخلية، كما لتشدد الرئيس عباس في الشروط وتفصيله المرحلي للمفاوضات عليها، ناهيك عن رغبة القيادة الفتحاوية في استغلال المتغيرات الإقليمية لابتزاز حماس أو فرض الشروط عليها من أجل العودة المظفرة إلى غزة واختزال المصالحة بالانتخابات فقط، مع الانتباه إلى أن هذه لم تكن يوماً خياراً جذاباً ومفضلاً لدى بعض قادة حماس في الداخل وجناحها العسكري الرافض في التفريط في سيطرته الأمنية على غزة، كما للمصالحة مع جهة تقبل بالتفاوض أو تعتبر أنه الأسلوب الواقعي الوحيد المتاح أمام الفلسطينيين لاسترجاع حقوقهم.

أما الخيار الثاني أمام حماس، والذي يكاد يشبه الهروب إلى الأمام فيتمثل بالتصعيد مع إسرائيل وإعادة فتح الجبهة معها، حتى لو وصل الأمر إلى حرب أخرى ثالثة، وهو خيار يبدو مكلّف جداً ليس فقط لأن الحركة الإسلامية غير جاهزة للمعركة في ظل انقطاع خطوط الإمداد عبر سيناء، وإنما لكون الظروف الإقليمية والدولية غير مؤاتية، وقد تتيح لإسرائيل الاستفراد بالحركة وإسقاط سلطتها أو في الحد الأدنى تدمير غزة مرة أخرى، وهي التي لم تتعاف بعد بشكل تام من الحربين الأخيرتين ما يشكل بيئة مناسبة للثورة الشعبية على حماس وتحميلها مسؤولية العجز عن حماية الناس، وتوفير سبل الحياة الكريمة لهم ولو في حدها الأدنى.
الخيار الثالث بدا أكثر واقعية، وفي متناول اليد بالنسبة للحركة وقد باشرت به فعلاً، حيث شرعت في تخفيف القبضة السياسية والأمنية، وصل الأمر حتى إلى عقد لقاء غير مسبوق مع نشطاء الإعلام الجديد لخلق قنوات تواصل معهم والإعلان عن عدم قمع أي تظاهرات أو فعاليات سلمية وعدم استخدام القوة ضدها. أما سياسياً فقد سارع إسماعيل هنية إلى طرح مبادرة لإدارة مشتركة لغزة بالتوازي، مع استغلال قرار العودة للمفاوضات المرفوض شعبياً من أجل تشكيل جبهة وطنية عريضة ضدها تمثل حماس عمودها الفقري إلى ذلك سارعت إلى استئناف العلاقات والاتصالات مع طهران دون أن تتراجع عن موقفها المحق سياسياً وأخلاقياً من الثورة السورية، مستغلة طموح طهران الإقليمي واستحالة تخليها عن الحركة المقاومة أو الورقة الفلسطينية، خاصة في ظل قناعتها المتجذرة بعدم وجود أي طرف فلسطيني آخر يمكن المراهنة عليه بجدية كي يكون منافس لحماس ورقم صعب لا يمكن تجاوزه على الساحة الفلسطينية.

هذا الخيار على واقعيته لا يبدو أكثر من مسكن كون الدعم الإيراني محدود وجزئى، وبالكاد يغطي نفقات الحكومة وموظفيها ولا يفعل شيئاً جدياً في مواجهة البطالة وانهيار قطاعات الاقتصاد المختلفة، أي أنه لن يخفف من النقمة الشعبية المتصاعدة ضد الحركة الإسلامية التي ستعمد برأيي إلى إدارة الأزمة واستهلاك الوقت أملاً في انهيار المفاوضات مع إسرائيل أو تغير وصفقة ما في مصر قد تعيد الإخوان المسلمين إلى المشاركة الجدية في الحياة السياسية، أو حتى وصول المرحلة الانتقالية وخارطة الطريق إلى خواتيمها السعيدة وانتخاب برلمان – بصلاحيات موسعة – بحضور إسلامي وطني وقومي لا يسمح بمحاصرة غزة أو تجويعها أو على الأقل يعيد الوصل بين غزة والقاهرة ويعيد هذه الأخيرة إلى ممارسة دورها فيما يتعلق بالمصالحة أو في الحد الأدنى عدم الانخراط في مخطط يهدف إلى إضعاف حماس أو تهميشها وإقصائها من المشهد السياسي الفلسطيني غير أن هذا لا يجب أن يلغي حقيقة أن المصالحة وحدها كفيلة برفع الحصار وبلورة استراتيجية مختلفة لإدارة الصراع مع إسرائيل خارج سياقي التهدئة والمفاوضات اللذان سادا خلال السنوات الثمان الماضية وأوصلا المشهد الفلسطيني إلى ما وصل إليه من انقسام وتردي.

السابق
أي مساعدة يحتاجها السوريون؟
التالي
هدية أميركية للسيسي