المنطقة على أبواب تحوّل كبير

تقف المنطقة في هذه المرحلة على أبواب تحوّل كبير، في ضوء الانفتاح الحاصل بين الولايات المتحدة الأميركية والجمهورية الإسلامية الإيرانية، وبين طهران والرياض، والبدء بتدمير ترسانة السلاح الكيماوي السوري، وانطلاق التحضيرات لمؤتمر «جنيف ـ 2» لإيجاد حلّ سياسيّ للأزمة السورية.

ويقول بعض السياسيين المُطّلعين إنّ “ديلاً” ما قد حصل بين واشنطن وطهران تريد من خلاله الإدارة الاميركية تأمين خروج آمن لها من أفغانستان في السنة المقبلة، وذلك على غرار ذلك “الديل” الذي أجرته مع العراقيين عام 2010، ووفّر لها الخروج الآمن من بلاد الرافدين آنذاك.

ويبدو أنّ التحضيرات قد بدأت في المنطقة لملاقاة هذا “الديل” الاميركي ـ الايراني، ولذلك التحوّل الكبير، وذلك من خلال جملة وساطات تستهدف إطفاء الحريق السوري وإعادة تطبيع العلاقات بين دمشق وبعض العواصم الإقليمية الداعمة سياسياً ومادّياً وعسكرياً للمعارضة السورية في مواجهة النظام.

وهذه الوساطات يقوم بها أطراف إقليميون ينطلقون من اقتناع بأنّ تسوية كبرى حصلت بين واشنطن وموسكو منذ قمّة الرئيسين الاميركي باراك اوباما والروسي فلاديمير بوتين على هامش قمّة “مجموعة العشرين” في سان بطرسبرغ الاخيرة، وكانت أولى ثمارها إلغاء أوباما قراره توجيه ضربة عسكرية للنظام السوري، ووضع السلاح الكيماوي السوري تحت الرقابة الدولية والبدء بتدميره، وما تلا ذلك من انفتاح بين واشنطن وطهران يمهّد لتسوية الخلافات بين الجانبين ومعالجة الملف النووي الإيراني، وكذلك الانفتاح الحاصل بين طهران والرياض، حيث تستعدّ العاصمتان حاليّاً للقاء قمّة ليس ببعيد بين خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز والرئيس الايراني الشيخ حسن روحاني، كان مقرّراً أن ينعقد خلال موسم الحج الحالي، ولكنّه أُرجئ إلى حين استكمال التحضيرات اللازمة له.

ما هي هذه الوساطات؟ ومن يقوم بها؟

أوّلاً، وساطة يقوم بها رئيس المكتب السياسي خالد مشعل وتستهدف التقريب بين أنقرة وطهران، حتى إذا نجحت تعمل طهران بالتعاون مع مشعل على وساطة بين أنقرة ودمشق، ومن ضمن ذلك توسّط طهران بين دمشق وحركة “حماس” التي تعمل على ترميم علاقتها بحزب الله. ففي الآونة الاخيرة عقدت مؤسّسة القدس الدولية التي تجمع بين التيار القومي العربي وحزب الله و”حماس” ورشة عمل في بيروت تحت عنوان: “القدس في أجندات الحكومات والشعوب”، وكان مشعل بين المتحدثين فيها (عبر شاشة)، والنائب السابق حسن حب الله (ممثلاً حزب الله)، وقد اعتُبر تلاقي الحركة والحزب في هذه الورشة جزءاً من الانفتاح بينهما بعد قطيعة تسبّب بها موقفما المتعارض إزاء الأزمة السورية، إذ يقف الحزب الى جانب النظام، فيما تقف “حماس” الى جانب المعارضة، وقد تظهّر هذا الانفتاح اكثر في زيارة مشعل لطهران التي انتقل اليها من اسطنبول، ليتبيّن أنّ الرجل يلعب دور وسيط بين القيادتين الايرانية والتركية المختلفتين في الموقف من الأزمة السورية.

ثانياً، وساطة يقوم الرئيس الفلسطيني محمود عباس (ابو مازن) بين القيادتين السورية والقطرية، إذ اوفد احد معاونيه عبّاس زكي الى سوريا ناقلاً رسالة من أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، يعبّر فيها عن رغبته في فتح صفحة جديدة بين الدوحة ودمشق.

ثالثاً، وساطة يقوم بها المصريّون بين القيادتين السعودية والسورية، ويبدو أنّ جانباً من زيارة الرئيس المصري الموَقّت عدلي منصور الأخيرة للرياض اندرجَ في إطارها. وتفيد معلومات أنّ القيادة المصرية لفتت المسؤولين السعوديين الى أنّها تعتبر أنّ سقوط سوريا إذا حصل سيؤدّي حتماً إلى سقوط مصر، وأنّ عليهم التعاون مع القاهرة على إطفاء الحريق السوري.

وثمّة من يربط بين مواقف رئيس “جبهة النضال الوطني” النائب وليد جنبلاط الاخيرة وبين هذه الوساطات والتطوّرات الجارية في المنطقة، إذ يبدو أنّ الرجل قد اطّلع عليها وأدرك أنّ موازين القوى تتّجه نحو حلول وتسويات إقليمية لا يريد أن يكون خارجها أو أن تكون على حسابه، فبدأ استدارة سياسية جديدة لملاقاتها.

السابق
حزب الله بالخليوي المشهود
التالي
أي مساعدة يحتاجها السوريون؟