ليس في الجنوب… جوامع!

مسجد
استغلال المساجد لممارسة النشاط الحزبي قد تفهم في بلدان تحظّر انظمتها انشاء مراكز حزبية مستقلة. وليست هذه الظاهرة قابلة للفهم او التفسير في ن ليس في قرانا ومدننا الجنوبية، الا لان حركة "أمل" و"حزب الله" يطمعان في المزيد من الامساك والاطباق على الحياة العامة، من خلال القبض على اماكن التأثير كلها..

لا اعرف منشأ او تاريخ تبدل اسم مكان العبادة من “مسجد”، ليحل محله اسم “جامع”. ورغم السند القرآني للاسم الاول دون الثاني، الا انه استطاع ان يسود ويعمّ في معظم القرى والبلدات الجنوبية.

ولعل ما منحه قوة الحضور هذه وسعة الانتشار هو الدور الفعلي الذي كان يلعبه في حياة الجنوبيين في مرحلة خلت من تاريخهم. فلطالما كان “الجامع” محل التقاء وتجمع يومي على مدار الاسبوع. لذا فمن الطبيعي جدا ان يكون الأثاث المعتمد فيه، اذا ما عدنا سنوات قليلة الى الوراء، هو عبارة عن “طراحات” و “مساند “. فذا ما تفرضه حاجة الجلسات العفوية وجلسات التداول والدردشات التي كانت تعقد بعد كل صلاة لرواد “الجامع” الاساسيين.

في تلك الأيام كان يغلب على روّاد المساجد كبار السن والشيب، مع رشة بسيطة من الشباب. على العكس تماما مما يحصل في هذه الايام. فقد طرأ تبدل وتحول جذري على دور “الجوامع” في الجنوب. إذ لم تعد اطلاقا اماكن عامة، وتحولت الى ما يشبه المراكز الحزبية.

ففي كل ضيعة يعرف اهلها عن ظهر قلب، كما اي زائر، الهوية السياسية لهذا الجامع او ذاك، دون الحاجة الى الاستماع للخطبة “العصماء” التي يلقيها هذا الامام او ذاك، وما يتخللها من مواقف سياسية هي في الحقيقة ليست اكثر من عملية ترداد وتكرار ببغائي وتسويق لمواقف زعامات الثنائي الشيعي”.

لكن يستطيع الداخل الى جوف الجامع تحديد هويته السياسية من خلال الصور والاعلام والمنشورات الحزبية المعلقة على جدرانه. فيتوضح حينئذ الانتماء الحزبي العام للمتواجدين فيه ايضا، الذي غالبا ما يكون طاغيا عليهم جيل الشباب، والصبية دون غيرهم، في الاعمّ الاغلب، أي الفتيان ما دون العشرين. وهذا مرده الى الفرز الطبيعي الموجود في المجتمع الجنوبي وتقاسم كل شيء فيه، حتّى اماكن العبادة، بين القوتين الرئيسيتين.

فجامع حركة “امل” مثلا لا يستقبل الا مصليّ الحركة. وهذا لا يكون بقرار تنظيمي طبعا، بل لان مصليّ “حزب الله” لهم مسجدهم ايضا.

لهذا قد تلاحظ، وبشكل لافت، تغيَّب فئتين كبيرتين من المجتمع الجنوبي عن الجوامع. وهما: اولا كبار السن، وثانيا: المستقلون، من المصلين او الشيوخ المعممين. هؤلاء الذين يفضلون التزام بيوتهم حرصا منهم على الحفاظ على استقلاليتهم.

هذه الحالة من استغلال المساجد لممارسة النشاط الحزبي والسياسي قد تفهم في بلدان تحظّر انظمتها انشاء مراكز حزبية مستقلة. وليست هذه الظاهرة قابلة للفهم او التفسير في قرانا ومدننا الجنوبية، الا في حالة واحدة هي ان حركة “أمل” و”حزب الله” يطمعان في المزيد من الامساك والاطباق على الحياة العامة، من خلال القبض على اماكن التأثير كلها، التي يعتبر المسجد واحدا منها.

لذا فقد تم تحويلها الى مراكز حزبية بكل ما للكلمة من معني: فلم يعد في الجنوب… جوامع .

السابق
ترميم آثار جبل عامل
التالي
لا أحمل الجنسية السورية