خائفون على وطن

ليسوا هواة مطالب. ولا تجّار السياسة. خوفهم على الوطن منطقي نابع من خوفهم على وجودهم. أبناء الفقراء الذين تناهشتهم الصراعات الطائفية والمذهبية، فنجا منهم من نجا وسقط في الهوة من سقط. هم الغالبية الصامتة في الجامعة الوطنية. يخافون على مصيرها اليوم، ويرفعون شعار «يللا تنحمي الجامعة اللبنانية».
قبل 47 سنة، حمل شباب، مثلهم، شعار إنشاء جامعة الفقراء، بعدما كان العلم حكراً على التجار، والإقطاعيين والمحظيين من أزلامهم. شباب عرفوا أن العلم هو السبيل.. ولم يحظوا بفرصة للالتحاق بجامعات الخارج يوم كان الحصول على جواز سفر يعتبر معجزة.
حينذاك، وقف الطلاب، والطلاب المحتملون، وقفة واحدة. ورددوا «يللا نبني الجامعة اللبنانية»، فكان لهم شيئاً مما أرادوه.
لكن الجامعة هرمت سريعاً. انقضّت الحروب الأهلية على استقلاليتها، فتخلت عنها شيئاً فشيئاً لأمراء الطوائف، ومحاصصاتهم. لم تلحظها موازنات الحكومات المتعاقبة بما يعيد الروح إليها، ويضمن ريادتها على مساحة وطن لكل طائفة فيه جامعة أو شبه جامعة. عصفت بها الأهواء حيناً، والمصالح أحياناً. كانت تنظر وتنتظر. بعدما فقدت الأمل من «الدكاكين الحزبية ذات المآرب والغايات»، كانت «الأحزاب العلمانية» تشكل أملاً ما.
انتظرت أن تعيد تلك «الأحزاب العلمانية» المتعاقبة عليها، النظر في الدور الذي لعبته في «تخريبها» بدل «إصلاحها». أن تقوم بقراءة نقدية واقعية لشعارات إصلاحية رنانة لم تؤد المطلوب منها.
وها هم أبناء الجيل الأول يقفون على أبوابها اليوم.. خائفين على وطن هي بوابته الحقيقية. لكنهم أمام امتحان بالغ الصعوبة.. المعضلة الأولى فيه تتمثل في ألا تغرق «الجبهة الطلابية الوطنية»، في هوّة «الأحزاب العلمانية» نفسها، التي ساهمت «عن حسن نية» في خنق الجامعة.

السابق
تأثير نزع السلاح الكيميائي السوري على سلاح حزب الله
التالي
تبييض صفحة النظام عمل متأخر جداً