أماليا واقعنا

نادين الراسي عن فيلم اماليا

اشتاق مشاهدو الدراما إلى مسلسلات تنقل الطبيعة اللبنانية وطبائع اللبناني فجاء مسلسل “أماليا” على طبق من فضّة ليقدّم للدراما اللبنانية عملاً مميزاً في الشكل والمضمون.

البطل الأول في هذا المسلسل هو النصّ المتين الذي كتبه طارق سويد منذ عامين من دون أن يؤثّر ذلك في مستوى نضجه وتماسكه. الحوار حقيقي نسمعه كل يوم في الشارع، في أماكن عملنا، وفي بيوتنا. الشخصيات التي أوجدها إنّما هي مولودة سابقاً في مجتمعنا، فالخوري والخورية موجودان فعلاً، العجوز وابنتها هكذا تتكلّمان، الأرملة الجميلة غير المتعلّمة هكذا تتصرّف ثمّ تندم… دخل سويد إلى عمق الشخصيات، ومن خلالها اقتحم عمق الموضوعات التي تطرّق إليها، وخصوصاً هوية الضيعة المسيحية بعاداتها ومنطق أهلها. أدخلنا طارق إلى الكنيسة لنسمع عظة كاهن يعلّم أهل قريته كيف عليهم تخطّي مشكلاتهم، ثمّ ذهب بنا إلى بيت ذلك الكاهن الذي يصاب بإنهيار أمام مشكلات عائلته. نقل سويد الواقع بصدقية وأمانة، نقله كما هو، لكنّه لم يغفل إقامة توازن في المعالجة فسمعنا الرأي والرأي الآخر. المسيحيون بعضهم منفتح وبعضهم سطحي وبعضهم الآخر يخلط بين العادات البشرية والوصايا السماوية. المسلمون بعضهم منفتح والبعض الآخر متعصّب مستعد لإنكار إبنه بسبب الزواج المختلط.

كل أجواء النص وأفكاره استطاع المخرج سمير حبشي ترجمتها من خلال الصورة وحركة الكاميرا والإضاءة اللافتة التي نفّذها علي التل. حبشي وضع لمساته التي غالباً ما تُظهر كلّ ممثلٍ بطلاً، ويبدو أنّه أحبّ أن يوجّه تحيةً إلى بعض أبطال مسلسل “باب ادريس” فإذا به يجعل العجوز تشاهد في بيتها حلقة يظهر فيها كارلوس عازار وجويل داغر وبيتر سمعان! حبشي الذي نجح في إدارة الممثلين وضبط إيقاعهم وقع هذه المرّة في الفخ الذي سبقه إليه معظم المخرجين وهو التطويل الذي أثّر في بعض الأحيان على إيقاع الحلقات! فما الفائدة مثلاً من المَشاهد الطويلة التي تُظهر الممثلة تسير من أول الشارع إلى آخره لتقول كلمة أو كلمتين، أو تظهر ممثلة أخرى تركن سيارتها وتنزل الدرج بكامله كي تقرع الباب؟ فإن كان في الإمكان أن نجد مبرراً هنا، ولو غير مقنع جداً، بأنّ ذلك يساعد على إدخال المُشاهد في أجواء الضيعة، فأي مبرر يمكن أن نجد لكثرة “الفلاش باك” التي كادت تتخطّى في بعض الحلقات المَشاهد الجديدة؟ سمير حبشي الذي تميّز إخراجه بخلطة سحرية تمزج بين السينما والتلفزيون يجب أن يبقى حريصاً على ما وصل إليه ويتفادى اقتراف أي خطأ، وخصوصاً أنّ “غلطة الشاطر بألف”!

على صعيد التمثيل لا بد من الإشادة بالخطوة الجريئة التي أقدمت عليها نادين الراسي وهي الظهور بدون ماكياج بشكلٍ يعكس ملامح شخصية “أماليا” أكثر ممّا يعكس جمالها هي. نقلت نادين حقيقة ما تعيشه تلك الشخصية بالشكل والمضمون فكانت مقنعة بكلامها وصوتها ونظراتها. الممثل جهاد الأطرش لا ينفكّ يُظهر عظمة احترافه دوراً بعد دور، وما الأبحاث والجهود التي قام بها قبل أن يؤدّي شخصية خوري الضيعة إلاّ دليل واضح على أهمية تعاطيه مع مسؤولية التمثيل. حسّان مراد استثمر بقوّةٍ أداءه السينمائي وخصوصاً في مسألة إظهار شخصية المريض النفسي من خلال تفاصيل صغيرة ودقيقة مبتعداً عن المبالغة. رودني حداد يجيد كثيراً إيصال الإحساس بعينيه، لكن مشكلته لا تزال نفسها: أحياناً نكاد لا نفهم ما يتلفّظ به! ريتا حايك ونيكولا معوّض قدّما أداءً مقبولاً معظم الوقت، لكنّ مشاهد التأثّر والبكاء كان يمكن أن تبدو أقوى. إليسار حاموش العائدة بعد غياب جسّدت دورها ببراعة. دوري سمراني يظهر براعة ونضجاً مرّة بعد مرّة، وكذلك تاتيانا مرعب التي تخرج أكثر فأكثر من إطار الشانسونييه الذي عُرفت فيه. هند طاهر وليلى قمري كانتا مقنعتين في أدائهما. أمّا الممثلتان اللتان لفتتا النظر بقوّة فكانتا ميري أبي جرجس ونتالي سلامة. ميري التي غالباً ما نسمع صوتها في الدوبلاج كان يجب أن نشاهدها بالصورة والصوت منذ زمن طويل لما عندها من نبض مقنع في الأداء. ونتالي التي شاهدناها أخيرا في بعض الأدوار استطاعت في هذا المسلسل أن تترك أثراً وتأثيراً كبيرين من خلال حضورها المحبب وأدائها القوي والناعم في آن واحد. الصغيران كريم شمالي وسارة لونا صليبا تميّزا بعيونهما التي قالت الكثير.

السابق
لا أحمل الجنسية السورية
التالي
باتريسيا نمّور عيني على السينما