نهج المصالحة

أخيراً، وضع الرئيس حسن روحاني “خطاً أحمر” للانتقادات التي تُوجَّه إليه أو لحكومته بكل ما يتعلق بالحوار مع الولايات المتحدة الأميركية. فما كان يقوله تلميحاً قاله بوضوح: “يجب مراعاة الأدب في التصريح.. الانتقادات البنّاءة مفيدة، لكن يجب تقليل الانتقادات اللاذعة”. كذلك ذهب روحاني بعيداً في انتقاداته للذين يعارضونه في تصريحاتهم ويوقّعون رسائل التأييد له، إذ قال: “في خمسين يوماً اتخذت الحكومة منذ تشكيلها خطوات في السياسة الخارجية مقدار 500 يوم”.

يعرف الرئيسان الإيراني والأميركي باراك أوباما أنّ “المفاوضات بالنار”، تكون دائماً مليئة بالمواقف الحادة والمفاجآت، وفي كثير من الأحيان بشبكة من الدخان لإخفاء ما يجري خلفها، حتى لا تنزلق النتائج على “قشرة موز” من المواقف المتشدّدة والرافضة لأسباب تتعلق بلعبة موازين القوى الداخلية. روحاني كشف أنّ أوباما قال له في الاتصال الهاتفي: “لديك مشاكل في الداخل ولدينا مشاكلنا، لنتعاون على حل المشكلة الأساسية” أي الملف النووي.

إدراك الطرفين الأميركي والإيراني للمصاعب والمشاكل، يحل نصف المشكلة، لكن يبقى النصف الآخر وهو الأصعب، لأنّه يتطلب اتخاذ قرارات جريئة وحاسمة. وإذا كانت المهمة ليست سهلة بالنسبة لأوباما، فإنّها صعبة جداً بالنسبة لروحاني. طوال 34 سنة عاشت إيران تحت خيمة شعار كبير “مرك بر أميركا” أي “الموت لأميركا”. هذا الشعار كان طلاب المدارس يفتتحون به يومهم الدراسي. فإذا بهذا الشعار يصبح في خبر كان، لأنّه لا يمكن أن تطلب الموت لمَن تفاوضه وتسعى للتفاهم معه.

لم يختر المرشد آية الله علي خامئني، روحاني رئيساً للجمهورية، لكن بعد انتخابه بالأغلبية المطلقة ومن الدورة الأولى، استوعب المرشد “الرسالة” التي وجّهها له الإيرانيون، والتي لا يمكن أن يتجاهلها حتى ولو كان يحوز على الولاية المطلقة. الإيرانيون تعبوا من تردّي الوضع الاقتصادي الذي طالهم في خبزهم اليومي والذي يهدّد مستقبل أجيال بكاملها، خصوصاً وأنّ 70 في المئة من الإيرانيين هم تحت سن الثلاثين، ما يعني أنّ سوق العمل الذي لا يستوعب اليد العاملة الحالية، حيث البطالة تزيد على 20 في المئة، لا يمكنها تقديم فرص عمل لكل الشباب الذين دخلوا وسيدخلون السوق خلال السنوات العشر المقبلة؟

تداخل الأزمة الاقتصادية بالعلاقات مع الولايات المتحدة الأميركية فرض خيار الاتصال بـ”الشيطان الأكبر”. هاشمي رفسنجاني اختصر الوضع بقوله: “عبقرية الإمام الخميني أنّه عندما وجد أنّ مصلحة إيران تقتضي منه شرب كأس السم شربها”. باختصار دعا رفسنجاني “توأمه وخصمه” خامنئي إلى “شرب كأس السم” ومصالحة الولايات المتحدة.

في جمهورية إسلامية مثل إيران، الحل الشرعي يفتح الأبواب الموصدة. ما قاله المرشد آية الله علي خامنئي عن “الليونة البطولية”، له صدى عميق في تاريخ المذهب الشيعي. بعد اغتيال الإمام علي بن أبي طالب، خلفه الإمام الحسن الذي “كانت قيادته تدرك المصلحة الإسلامية العليا، أي أنّ الصلح مع معاوية بن أبي سفيان أمراً يحتّمه الشرع ويلزم به العقل”. بدون الدخول في تفاصيل الصلح الذي عقده الإمام الحسن فإنّ معاوية غدر به وأرسل له مَن اغتاله بالسم”. لذلك فإذا الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب قد عمل ب”الليونة البطولية” في “لحظة خطيرة على مستقبل الإسلام والدولة الإسلامية”. قياساً على ذلك ففي هذه اللحظة التي تشكّل خطراً على الجمهورية الإسلامية في إيران يمكن اعتماد هذا النهج ومصالحة أميركا – معاوية. لكن حتى لا يقع الغدر وينجح، فإنّ على “المصارع” (الإيراني) أن يأخذ حذره وينتبه حتى لا يغدر خصمه (الأميركي) به.

طوال 34 سنة اعتمدت الجمهورية الإسلامية في إيران نهج الإمام الحسين الجهادي والاستشهادي، الآن حان “نهج المصالحة” ليصبح مساراً ليس من السهل التراجع عنه مهما كثرت الانتقادات حول “الخطأ في التكتيك” الذي لا يطال الاستراتيجية وهي الصلح مع “الشيطان الأكبر”. ولذلك كله فإنّ “الحذر الشديد” قائم خصوصاً وانّ الإيرانيين على مختلف توجّهاتهم يريدون من خصمهم ومحاورهم الأميركي “أن يحتسب الدور الإيراني في حل مشكلات المنطقة”. أما الباقي فتفاصيل يمكن التفاهم عليها. حتى الملف النووي، لم يعد مشكلة مستحيلة بعد أن عرفت واشنطن ماذا تريد طهران وعرفت طهران حدود التقديمات الأميركية، التي تقع كلها في خانة تقوم على التوازن في امتلاك المعرفة النووية واستخدامه المدني وعدم تحويلها إلى سلاح نووي.

السابق
سفيرة فنزويلا زارت مستشفى البتول في الهرمل
التالي
إستقدام قوة إضافية الى العباسية