لا شرق أوسط جديداً من دون تركيا إذا

لا يزال الدور الإقليمي لتركيا “حزب العدالة والتنمية” مطلوباً، يقول المتابعون لأوضاعها. لكنه وبعد التجربة الفاشلة في سوريا صار سياسياً وديبلوماسياً. إلا طبعاً إذا قرر حلف شمال الأطلسي مثلاً توجيه ضربة عسكرية إلى نظام الأسد وطلب مساهمة تركيا فيها بوصفها عضواً عاملاً فيه، وهذا أمر لم يعد مرجحاً. وبالدور المشار إليه تستطيع حكومة الحزب المذكور التعاطي مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي تعتبرها دول عربية كثيرة خطراً عليها، وذلك بغية العمل معها لإزالة الشعور بالخطر من جهة ولإزالة الخطر نفسه من جهة أخرى.
في أي حال يقول المتابعون أنفسهم أن تركيا لا تستطيع أن تحقق طموحاتها الإقليمية سياسياً أو عسكرياً إذا لم تُنهِ مشكلة أكرادها سلماً وفقاً للاتفاق الذي وقّعته حكومة أردوغان مع زعيمهم المسجون عبدالله أوج آلان. وإذا لم تُعِد هذه الحكومة أو أي حكومة إسلامية (سنية) في تركيا علوييها إلى الشعور والاقتناع بأنهم ليسوا أقلية مصيرها مهدّد كلما جاء حاكم ظالم أو مذهبي، بل من صميم الشعب التركي على تنوعه.
ويقولون أيضاً إن تركيا لا تستطيع أن تحقق طموحاتها الإقليمية إلا بتعاطٍ مختلف مع الأزمة – الثورة – الحرب الأهلية – المذهبية في سوريا، وعلى نحو يعيد إليها الاعتبار والصدقية اللذين فقدتهما.
ويقولون ثالثاً إن تركيا لا تستطيع أن تحقق طموحاتها الإقليمية إذا استمر الحزب الحاكم فيها يتصرف على أنه جزء من “الإخوان المسلمين”. فالعرب ليسوا كلهم “إخوان مسلمين”. والأصوليون منهم ليسوا كلهم “إخوان مسلمين”، والمسلمون غير العرب كذلك. فهذا التصرف عطّل علاقتها مع مصر ومع المملكة العربية السعودية، وأنهى “سياسة صفر مشكلات” التي قال وزير خارجيتها أوغلو إنها هدف حكومته.
ويقولون رابعاً إن تركيا لا تستطيع تحقيق طموحاتها إذا تجاهلت أحجام الدول العربية وأدوارها، وإذا استمرت تحلم بإحياء السلطنة العثمانية. وهذا الحلم برز أكثر من مرة في تصريحات قادة “حزب العدالة والتنمية” الحاكم، وخصوصاً من خلال إنكار الظلم والقمع اللذين مارستهما السلطنة على “شعوبها” ومنهم العرب، وإبراز “الجوانب المضيئة” للحكم العثماني.
ويقولون خامساً إن لا شرق أوسط جديداً، بعد إجهاز الثورات والحروب والدم على الشرق الأوسط القديم، من دون تركيا ومن دون إيران الإسلامية منذ 1979 ومن دون العرب بقيادة السعودية ومصر. وإذا كانت تركيا تعاطت منذ البداية مع إيران بعقلانية وحكمة، فان عليها أن تتعاطى مع الآخرين بالحكمة نفسها. وقبل ذلك عليها أن تحوّل نقاط ضعفها الداخلية قوة. ولا يعني ذلك تجاهل إسرائيل واعتبارها غير موجودة على رغم علاقتها معها. فتركيا تستطيع أن تقرِّب بينها وبين الفلسطينيين والعرب، ولكن بعد أن تعيد النظر في طريقة تعاطيها مع المشكلة، وبعد إعادة تقويم قوتها وقدرتها على التأثير كي لا تقع في الخسارة أو التراجع. وقد وقعت فيهما مع إسرائيل بعد موقعة “الفلوتيلا” وفي سوريا النظام والثورة.
وهنا يلفت المتابعون أنفسهم إلى أن على تركيا المحكومة منذ أكثر من عقد من “إسلاميين” أن تُخرج نفسها من “البلبلة” في علاقاتها الخارجية التي أوقعت نفسها فيها ومن زمان، جرّاء محاولتها القيام بأدوار عدة متناقضة في ما بينها، وجراء سلوكها اتجاهات دولية وإقليمية في وقت واحد على رغم تناقضها، ومن دون تنسيق جدي مع حلفائها الأساسيين وهم أميركا والاتحاد الأوروبي الذي تسعى من زمان إلى عضويته. ولعل آخر مثل على التناقض هو إقدام تركيا على توقيع صفقة مع الصين لشراء أسلحة بقيمة تفوق الـ4 مليارات دولار أميركي من دون التشاور مع الحلفاء، علماً أن عضويتها في حلف شمال الأطلسي فضلاً عن تحالفها مع أميركا يفرضان عليها عدم الإقدام على ذلك إلا بمعرفتهما وربما بموافقتهما. ولا يفترض أن يمسَّ ذلك استقلالها.
ما هي أسباب التخبط والخطأ في الحسابات اللذين وقعت فيهما تركيا “حزب العدالة والتنمية” الإسلامي الحاكم؟
يعتقد المتابعون أنفسهم أن شعبوية رئيس الحزب والحكومة أردوغان هي سبب رئيسي، وأن رفضه الاعتراف بأي خطأ هو سبب مهم آخر، وأن طموحه الى رئاسة الجمهورية بعد تحويل النظام رئاسياً أو شبه رئاسي قد يكون سبباً ثالثاً. لكنهم يدعون في الوقت نفسه إلى مراقبة تصرف الرئيس الحالي عبدالله غول ومواقفه “العاقلة” أو المتروّية متسائلين هل يتسبب ذلك بصراع داخل الحزب الإسلامي الحاكم؟

السابق
استنفارات على جانبي الحدود في العباسية
التالي
مصلحة لبنانية في التقارب الإيراني ـ السعودي