النجف بدأ يهمس: القتال مع الاسد ليس من المصلحة

علي الأمين

مع تراجع حدّة المواجهات في سورية، تنامى الحديث عن احتمال انسحاب مقاتلي حزب الله منها، وان لم تصدر اي اشارة ترجح هذا الاتجاه لا من القيادة الايرانية ولا من حزب الله بطبيعة الحال. وهذا الاحتمال، الذي غالبا ما تسرب وانتشر عبر وسائل اعلام مختلفة، ظلّ في اطار التمنيات اللبنانية، من تلك التي يجري تداولها في بعض الاوساط الشيعية خارج حزب الله، داخل لبنان وخارجه. وبعض هذه الاوساط تدعم هذا الاحتمال بمقولة ان ايران، بعدما ضمنت موقعها في معادلة اي تسوية محتملة في سورية، بدأت تجد في انسحاب مقاتلي حزب الله امراً قابلا للتنفيذ، وان بشكل تدريجي.
لكنّ ذلك يبقى، كما اشرنا، في اطار التمنيات، خصوصا ان اي موقف لم يصدر، عن الجهة المعنية بالقتال في سورية، ليشير الى امكانية خروجها ما دام القتال قائما في ذلك البلد. وان تراجع عديد قتلى حزب الله في سورية في الآونة الاخيرة، الا ان هذا التراجع يمكن احالته الى تراجع حدة المواجهات والقتال بين النظام السوري ومعارضيه، والى نجاح حزب الله في السيطرة على تلك المواقع التي خاض فيها قتالا عنيفا، سواء تلك القريبة من الحدود اللبنانية، لا سيما في حمص والقصير، او تلك المواقع المحيطة بالعاصمة السورية وفي ضواحيها.

اذا كان هذا ما تشير اليه الوقائع الميدانية والمواقف السياسية، فإن تنامي ظاهرة الاعتراض على التورط “الحزب اللهي” في سورية بات هذه الايام بنبرة اعلى من السابق في دوائر المرجعية الشيعية بالنجف الاشرف. وان كان المرجع الديني الابرز لدى الشيعة السيد علي السيستاني قد وجّه، في اكثر من مناسبة، رسائل تقول بعدم شرعية القتال في سورية، الا ان هذه الرسائل بقيت عرضة للتشكيك والتفسير المتناقض لدى كل طرف، بحيث يمكن القول ان الموقف لم يكن حاسماً. وكانت تحيل دوائر المرجعية هذا الامر الى اسباب تتصل في معظمها بمناخات سياسية ضاغطة من جهة، ولاسباب تتصل بتعقيدات الصراع ومداخلاته، والى انه “ليس من خصوصية الخطاب الديني في النجف الحديث عن التحريم والتحليل في القضايا السياسية”.

الجديد ما نقلته صحيفة “الحياة” عن مقربين من السيد السيستاني، ان «الأسد ليس اكثر اهمية من دم شعبه، وان “المحيط العربي امتداد وعمق لا يضاهيه اي عمق آخر، وانه: “جاء احدهم لاستفتاء احد المراجع الاربعة في النجف في قضية توجه ابنه للقتال في سورية، فأجابه بلا تردد: لا يذهب، ليس من المصلحة وليس فيه اصلاح”.

هذه الاشارات التي تصدر عن مرجعية الشيعة في النجف، لترفض ذهاب الشيعة للقتال في سورية دعماً لنظام الاسد، تعكس في الشكل طريقة سلوك المرجعية التاريخية في التعامل مع القضايا السياسية. وهذا ما يمكن تلمسه ايضا في اسلوب تصدّيها للقضايا العراقية، عبر نأيها عن التدخل في الشأن السياسي المباشر. الى حدّ رفض السيد السيستاني استقبال اي مسؤول سياسي عراقي. وهي تحرص على التصدّي للعناوين الكبرى عبر توجيهات عامة. اما في المضمون فهي تترجم مدى استشعار هذه المرجعية تداعيات القتال في سورية على العلاقات بين السنّة والشيعة. والاهم انها تسعى الى التمايز عن الموقف الايراني الذي يعكس مصالح الشعب الايراني، وليس مصالح الشعب العراقي، او الشيعة خارج ايران.

المتوقع ان تعلو نبرة النجف قريبا، ضدّ التدخل في سورية، ولجهة عدم جواز قتال الشيعة، من اي بلد خارج سورية، الى جانب الاسد، هذا من دون الخروج على السلوك المعتاد. والنبرة العالية قد لا تشكل تأثيرا سلبيا على حزب الله ولا على السياسة الايرانية في سورية، بل قد توفر فرصة لحزب الله لبدء عملية الخروج من بحيرة الدماء السورية، دماء المعارضين والموالين للاسد، سوريين واجانب، ومن بينهم مقاتلي حزب الله.

الا ان هذا لن يقلّل الكلفة العالية التي سيدفعها حزب الله والشيعة عمومًا. لنقس على 7 ايار، العملية التي استنفرت العالم العربي كله ضد حزب الله، كفرصة لامتصاص الدماء في سورية. لنقس على 7 ايار ونحاول استقراء المشهد الآتي.

السابق
من يحاسب رجال الدين؟
التالي
مقتل اثنين من حرس النجيفي في استهداف موكبه في الموصل