أوباما ولافروف: قيادة سليمان استثنائية وحكيمة

على قاعدة “اشتدّي أزمة تنفرجي”، بات ما كان مستحيلاً بالأمس حقيقة ملموسة وأكثر، ها هو الأميركي يُغازِل الإيراني والعكس بالعكس، الروسي يخاف على أمن إسرائيل بقدر ما يخاف من رحيل رئيس النظام السوري إن لم نقل أكثر.
ففي لعبة المصالح الدولية يحتار المراقب مَن يدعم مَن، ومَن يعادي مَن وعلى أي قاعدة. “الدب الأبيض” يحرص على أمن “الكيان الغاصِب” المدعوم من “الشيطان الأكبر” الذي يتبادل الغزل مع “الولي الفقيه” الداعِم للساريني الكيميائي الذي عمل أعواماً على إنتاج خلايا تكفيرية إرهابية ليُصدِّرها تارةً إلى العراق وتارةً أخرى إلى مخيم نهر البارد حيث تقتضي المصلحة البعثية. كلّ هؤلاء هم حلفاء، وكلهم أيضاً، أخصام فقراء سوريا وأيتامها. أما نحن في لبنان، فيبدو أن غالبيتنا لا تُريد أن تتعلم أو تتقاطع مع لعبة الأمم لتجنيب لبنان المنكوب أصلاً، الكارثة المُتدحرجة نحوَه كَكُرة الثلج.
إيران تُغازل أميركا ونحن نتفرج، روسيا تُدلل إسرائيل ونحن نتفرج، فراغ ربع الساعة الأخير يطرق أبوابنا ونحن نتفرج، فيما يُشدد رئيس جمهوريتنا الذي أثبت استقلاليته وجدارته في أداء دور الحَكَم وفي أصعب ظرف، على رفض التمديد الرئاسي لأنه لا يؤمن باستحالة انتخاب رئيس للجمهورية.
في هذه المسألة تحديداً، يتصرف الرئيس كـَ”أم الصبي” الخائف على الدستور وحاميه في آن، والطاعِن في عملية التمديد للمجلس النيابي. لكن أبعاد المشكلة الدستورية تبدو أعمق من تمديد رئاسي أو إبقاء حال أو حتى إعادة انتخاب الرئيس نفسه، كون المجلس النيابي الحالي بات مجلساً لا دستورياً بعد أن مدد لنفسه من دون العودة إلى مصدر السلطات، وبالتالي أي رئيس جديد منتخب (في حال حصل الانتخاب وهذا ما لا يبدو متوفراً حتى الساعة)، سيكون رئيساً مشكوكاً بدستوريته، ما يُعزز فرضية عدم الإفراط في تمزيق الدستور ويجعل من بقاء الرئيس سليمان بتوافق جميع الأطراف ضرورة وطنية مُلحّة في مواجهة “فخامة الفراغ”، كونه أثبت اعتداله وعدم انحيازه لأي طرف لا بالترهيب ولا حتى بالترغيب. وهنا أيضاً نجد تفسير عدم ترشيح العماد ميشال عون لنفسه كونه غير معترِف بدستورية التمديد النيابي حاله حال سليمان، متداركاً مسألة تعييره بلا دستورية الرئيس العتيد بعد أن طعَن بالتمديد النيابي وعاد ورفض التمديد للعماد قائِد الجيش.
وهنا يبدو السؤال ضرورياً، من سيُقنِع الرئيس سليمان بتعديل موقفه وعدم ترك المنصب للفراغ في ظلّ حكومة الطرف الواحد المُستقيلة؟ وهل سيقبل الرأي العام الدولي الداعِم للمواقف السيادية التي تصدر عن رئيس الجمهورية بإفراغ الكرسي السيادي الأول؟ فالكل يعلم أن الأفق مسدود لناحية انتخاب أحد الأقطاب الموارنة بفعل الانقسام الحاد ما بين طرفي الخصومة 8 و14، بالتزامن مع عدم وجود أي إجماع على شخصية مارونية قادرة على الجلوس على كرسي بعبدا باستثناء الذي يتكلم اللغة اللبنانية البحتة نفسها، سواء مع الرئيس أوباما أو مع الرئيس روحاني أو مع الملك السعودي بعد حين. فلماذا هذا الرفض القاطِع من قِبل الرئيس؟
في تصريحه الأخير، قال الشيخ نعيم قاسم إنه “يتمنى أن تأتي الحكومة الوطنية الجامعة التي يريدها ويسعى إليها، فإذا لم يشاؤوا ذلك فحكومة تصريف الأعمال موجودة”… ما يعكس ارتياح “حزب الله” للوضع القائم، فهل يُعقل أن تُترك البلاد لحكومة تصريف أعمال تُمثِّل وجهة نظر طرف من دون آخر أياً كان هذا الطرف في ظلّ هذا النزاع الحاد؟
تؤكد مصادر مطلعة أن بقاء رئيس الجمهورية بعد انتهاء الولاية بات أمراً ضرورياً للغاية، في حال تعثّر الاتفاق على شخص الرئيس العتيد ربطاً بالتناغم الإقليمي المُستجد. وتتقاطع هذه النظرة مع بعض الهمسات الدبلوماسية المؤيدة لبقاء سليمان، في حين لن يحتاج (دائماً بحسب المصدر) هذا الأمر، إلا موافقة الرئيس على القبول بتحمل هذه المسؤولية الوطنية من جديد ليُعاد انتخابه من ضمن تخريجة دستورية تنال غالبية الأصوات النيابية بما يتعدى الـ100 صوت ومن ضمنهم “حزب الله” الذي عاد واعترف أمينه العام السيد حسن نصر الله بوسطية رئيس الجمهورية وبدأ يكتشف صوابية مواقفه وحرصه على مصلحة جميع اللبنانيين، خلافاً لبعض الأصوات المتضررة التي تعتبره طرفاً تارةً هنا وتارةً أخرى هناك.
يُخطئ من يؤيد التمديد حباً بالتمديد، أو من يُفضِّل التمديد على الانتخاب وفقاً للدستور اللبناني، ويُخطئ أيضاً من يُفضِّل “فخامة الفراغ” على إعادة انتخاب الرئيس الذي أثبت استقلاليته في أدقّ مرحلة عرفتها البلاد، شاء من شاء ورفض من رفض. لكنّ الخشية تكمن في أن يُخطئ الرئيس ويُفضِّل القبول بدفن ما تبقى من الدستور بفعل الفراغ، على القبول بتمرير المرحلة استجابة للرغبة الشعبية والنيابية والدولية التي ستأتيه على طبقٍ من “ضرورة وطنية”.
يؤكد غير مصدر كان في نيويورك الاهتمام الاستثنائي بالرئيس اللبناني المعتدل، لا سيما من قِبل الرئيس الأميركي باراك أوباما الذي نوّه بقيادة سليمان الاستثنائية بالنسبة للظرف الراهن الذي يعيشه لبنان، ومن جهة أخرى يقال أيضاً إن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أُعجِب كثيراً بقدرة الرئيس اللبناني على فرض إعلان بعبدا وتدويله لضمان تحييد لبنان عن الصراعات في المنطقة، إضافة لإدارته الحكيمة التي حافظت قدر الإمكان على الاستقرار.

السابق
ذخائر غير صالحة في محيط بلدة الضهيرة
التالي
نصر الله يدخل على خط الجلسة الحكومية لإقرار مراسيم النفط