الشرق الأوسط: الناجين تعرضوا لشتى أنواع الابتزاز والتهديد وخسروا كل شيء

كتبت “الشرق الأوسط ” تقول: أقفل ملف اللبنانيين الناجين من عبارة الموت في إندونيسيا، أمس، بعودة 18 ناجيا منهم إلى بيروت، بينما بقيت عودة اللبنانيين الذين هربوا قبل انطلاق العبارة، إضافة إلى 11 لبنانيا موقوفين لدى السلطات الإندونيسية، معلقة بانتظار تسوية أوضاعهم القانونية. وبينما هدأت عودة الناجين بعضا من الأسى الذي لف منطقة عكار (شمال لبنان)، ينتظر الأهالي عودة جثث الغرقى على متن العبارة، بعد استكمال إجراءات فحوص الحمض النووي.
واستقبل مسؤولون لبنانيون، في مقدمتهم وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال عدنان منصور، أمس، الناجين الـ18 في مطار بيروت، قبل انتقالهم إلى عكار، حيث استقبلوا بالورود والزغاريد وإطلاق الرصاص. وكان الناجون قد انطلقوا من إندونيسيا عصر أول من أمس، قبل وصولهم إلى بيروت عبر مطار دبي.
وكانت عبارة محملة بـ72 شخصا، بينهم أكثر من 50 لبنانيا، انطلقت من سواحل إندونيسيا باتجاه أستراليا، قبل 14 يوما، وتعرضت لحادث بحري، مما أدى إلى غرقها. وأسفر الحادث عن غرق عدد كبير من الركاب، بينهم عائلة اللبناني حسين خضر المؤلفة من زوجته وأطفاله الثمانية، وعائلة أسعد علي الأسعد المؤلفة من زوجته وأولاده الأربعة، بينما نجا الرجلان عبر السباحة إلى جزيرة قريبة، من ضمن 28 ناجيا، بينهم اللبنانيون الـ18. ويبلغ إجمالي عدد المفقودين 44 شخصا، انتشلت جثثهم وتخضع لفحوص الحمض النووي (دي إن إيه).
واختبر الناجون أقسى لحظات الألم أثناء وجودهم في جاكرتا.. فإلى جانب الحزن الذي خلفه فقدانهم عائلاتهم وأصحابهم، وضياعهم في جزيرة في المحيط الهندي، تعرض هؤلاء لـ”ابتزاز مافيا التهريب غير الشرعي”، كما قال الناجي أسعد علي الأسعد، الذي شهد غرق زوجته وأولاده الأربعة أمام عينيه. وقال الأسعد لـ”الشرق الأوسط”: “اختبرنا كل أنواع الإهانات والتهديدات من مافيا التهريب غير الشرعي التي تتعاون مع ضباط في الأمن الإندونيسي”، مشيرا إلى أن “كل هؤلاء هم عصابات أرادوا ابتزازنا بهدف الحصول على المال”.
ولفت الأسعد إلى أن “رجال أمن يتعاونون مع المهربين عرضوا علينا بعد منتصف الليل تهريبنا من مكان احتجازنا، قائلين إننا سنتعرض للسجن سنة أو سنتين على أقل تقدير”. وأضاف: “الدليل على أن بعض العسكريين يتعاونون مع مافيات التهريب هو مواكبتنا أثناء صعودنا في العبارة من قبل عربة عسكرية فيها ضابط وثلاثة عسكريين”، محملا مسؤولية ما يجري في إندونيسيا “إلى الدولة الإندونيسية”.
وكرر اللبنانيون الناجون تأكيدهم أنهم اختاروا الهجرة غير الشرعية إلى أستراليا، هربا من الوضعين الاجتماعي والاقتصادي الضاغطين في لبنان، فضلا عن الحرمان المزمن في منطقتهم عكار، إضافة إلى الوضع الأمني المتردي في شمال لبنان. وقال الأسعد: “نحن عاتبون على الدولة اللبنانية، لأن تقصيرها المزمن بحقنا هو ما دفعنا لاختيار طريق الهجرة غير الشرعية هربا من وضعنا المالي المزري”. ولفت إلى أن “فقدان الأمان في منطقتنا، ونتيجة للاقتتال، أجبرنا على الهجرة، فلو توفر الأمن لكان السعي والنزوح في لبنان بحثا عن الرزق أفضل الحلول”، محملا مسؤولية “ما تعرضنا له من إهانات وموت، لتقصير الدولة اللبنانية”.
وعلى الرغم من حجم المأساة، لكن الناجين، كما أبناء المنطقة، “لم يحصلوا على وعود حكومية بالإنماء”. وذهب بعض الناجين إلى إلقاء اللوم على أنفسهم لسلوكهم هذا الطريق من الهجرة، من غير تبرئة الدولة من تهمة التقصير.
وقال عمر المحمود الذي فقد عائلته: “لقد خسرنا كل شيء، كنت أتمنى على المسؤولين في لبنان أن يولونا أهمية قبل أن نسافر، ونحن ذهبنا إلى إندونيسيا بطريقة قانونية وبأموالنا نحن وعائلاتنا”. وتابع: “دفعت 40 ألف دولار إلى عبد الله طيبي وكنت قد بعت بيتي ومتجري لتأمين هذا المبلغ”. وإذ لفت إلى قساوة التجربة، قال: “لم أستطع التعرف إلى أحد من أفراد عائلتي وقد حاولنا مرات عدة الهرب لكي نتعرف على هذه الجثث لكننا لم نستطع”.
وهدأت النفوس في عكار مع وصول الناجين، إذ أكد رئيس بلدية قبعيت التي يتحدر معظم الناجين والمفقودين منها، أحمد درويش، لـ”الشرق الأوسط”، أن ارتياحا جزئيا لف المنطقة بعد وصول الناجين. ولفت إلى أن المنطقة “لن ترتاح قبل عودة جثامين اللبنانيين المفقودين هناك”، مشيرا إلى أن المنطقة “يسود فيها شعور العتب على الدولة اللبنانية، نتيجة للحرمان الذي يدفع أبناءها لدفع ثمن حياتهم وأمنهم”.
وإذا كان التقصير بالإنماء يقع على عاتق الدولة اللبنانية، نفى وزير الخارجية أن تكون “الحكومة اللبنانية قصرت ولو للحظة في ملف اللبنانيين”. وقال منصور في تصريح من مطار بيروت، إن “السفارة اللبنانية كانت الأسرع والأنشط بين السفارات وفقا لتأكيدات الأطراف الإندونيسية”.
وأوضح منصور أنه “يجب انتظار إجراء فحوص الـ(DNA) للكشف عن الجثث والتأكد منها لإعادتها إلى لبنان”، مشيرا إلى أن “هناك العديد من الجثث التي تنتمي إلى جنسيات مختلفة وهي منتفخة، وبالتنسيق مع لجنة طبية أرسلت من لبنان وبالتنسيق مع السلطات الإندونيسية يتم تحديد الجنسيات لتعود كل منها إلى موطنها”.
وأقيم للعائدين، أمس، استقبال رسمي في صالة الشرف في مطار بيروت، شارك فيه النائب هادي حبيش ممثلا عن الرئيس اللبناني ميشال سليمان، ووزير الخارجية، والنائبان علي عمار وبلال فرحات ممثلين عن الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، والنائب خالد زهرمان.
وشدد عضو كتلة المستقبل النائب هادي حبيش على أن “المطلوب اليوم بعد هذه الحادثة أن تكون عبرة للدولة اللبنانية كي تعطي اهتمامها الكامل لمنطقة عكار ولبقية المناطق المحرومة كبعلبك – الهرمل”، محذرا من أن “المناطق المحرومة تنذر بانفجار اجتماعي في حال ظل الوضع كما هو عليه”.

السابق
تحول إيران إلى دولة فاشلة
التالي
شرعية حرب أكتوبر