السفير: ناجون من عبّارة الموت سنكرّر الانتحار!

كتبت “السفير ” تقول: من “عبّارة الموت” في البحر الأندونيسي الى “دولة فتح الاسلام” في سجن روميه، مرورا بالتحديات الأمنية القائمة واتهامات الفساد والسرقة بين وزيرين يفترض انهما “عريقان” في حكومة واحدة، الى قضية الجلسة الحكومية النفطية المنشودة، كلها عناوين للدولة المغيبة .
يفترض ألا ينام أي مسؤول لبناني عندما يسمع أحد الناجين من “عبّارة الموت”، يكرر عبر الشاشات، أمس، أنه لن يتردد في محاولة اعادة الانتحار سعيا الى هجرة تقيه العوز والفقر والبطالة.
هذه العبارة تعني أن هذا البلد صار عبئا وملجأ وممراً وعابرا… في انتظار من يعيد الاعتبار الى الحد الأدنى من العيش الكريم والآمن.
ومن يتابع وقائع ما تسرب من تحقيقات قضائية مع بعض الضالعين في قضية تهريب متفجرات وهواتف الى سجن روميه، يدرك أن القضاء لا يمكن أن يكمل في ما يعجز الأمنيون عن مواجهته.
ومن يتابع سجال الوزيرين محمد الصفدي ونقولا فتوش، والاتهامات المتبادلة بحق كل منهما بالفساد وشراء الذمم وحماية المرتشين، لن ينتظر من يعطي وصفة بالحكومة الحالية، أفضل من تلك التي يعطيها لها أهلها أنفسهم.
ومن يعرف كيف صدرت بعض قرارات مجلس شورى الدولة ومؤسسات رقابية أخرى، بالتعويض ماليا، عن بعض المخالفات، يدرك فداحة ما وصل اليه وضع السلطة القضائية في لبنان.
ومن يدقق في كتاب وزير المال الى رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي مطالبا فيه بموافقة استثنائية على توفير المبالغ اللازمة لتسديد حصة لبنان من موازنة المحكمة الدولية الخاصة بلبنان لسنة 2013 على ثلاث دفعات، من دون موافقة مجلس الوزراء، يحق له أن يسأل عن السبب الذي جعل الوزير نفسه، قبل سنة يصر على أن يأتي التمويل من داخل مجلس الوزراء لا من خارجه، الا اذا كان وقتها ليس بحاجة الى رصيد دولي يمكن أن يستخدمه في الحسابات الحكومية المفتوحة على مصراعيها.

في النفط، ثمة ما هو مضمر وما هو معلن.
الكل يزايد على الكل، والكل حريص على مصلحة الدولة العليا، والكل ضد إسرائيل، والكل مع القانون والشفافية، والكل لا يقيم حسابا سوى لخزينة الدولة، ولا شبهة طائفية أو مذهبية أو مالية من وراء ما قيل ويقال عن ملف التنقيب عن النفط.
الكل صار مجمعا على عقد جلسة لمجلس الوزراء من اجل إقرار مرسومي تلزيم “البلوكات” النفطية، ولكن الحقيقة أن قلة قليلة، حتى ضمن الفريق الواحد، تريد مثل هذه الجلسة الاستثنائية… والأسباب كثيرة، بينها ما تشي به الاتصالات التي يجريها كل فريق، بمعزل عن الآخر، مع شركات في الخارج من أجل ضمان حصص ومصالح معينة، في دليل جديد على افتقاد لبنان لاستراتيجية موحدة في مقاربة ملف اقتصادي هو الأكثر حيوية في تاريخ لبنان منذ الاستقلال حتى الآن.
وغداة إجماع عدد من مكونات حكومة تصريف الأعمال على عقد جلسة وزارية استثنائية، بدا واضحا أن المعني الأول بالدعوة وهو نجيب ميقاتي، ليس في وارد الإقدام على مبادرة من هذا النوع، خاصة انه كان أقدم على تمويل المحكمة في مرتين سابقتين، فقط لاستدراج “فريق 14 آذار” وداعميه الخارجيين لاتخاذ مواقف ايجابية منه ومن حكومته.
وقال وزير الاقتصاد نقولا نحاس لـ”السفير” ان ميقاتي يتشاور بشكل دائم مع رئيس الجمهورية ميشال سليمان في هذا الملف وغيره، وهو من اكثر المتحمسين للملف النفطي.
وحول الاسباب التي تؤخر عقد جلسة لإقرار المرسومين، اكد نحاس “ان الملف ليس ناضجا او جاهزا كما يجب، فضلا عن انه لا يوجد توافق داخلي حوله، وهناك خلافات ضمن مكونات حكومة تصريف الاعمال حول طريقة مقاربته، بالاضافة الى انه ملف يتجاوز النطاق الضيق لتصريف الأعمال”.
وعن الأضرار التي تترتب على لبنان في حال استمر التأخير في استفادة لبنان من ثروته النفطية، قال نحاس: “لا ضرر ابدا اذا تأخرنا بعض الوقت، وليس صحيحا ابدا ما يقال عن ان عدم الاستفادة الآن يعني خسارة لبنان في هذا القطاع، بل على العكس، معروف عن النفط انه كلما تأخر، لا تخسر الثروة، بل تربح اقتصاديا مع الوقت”.
في المقابل، وردا على اتهام مرجع في “قوى 8 آذار” رئيس حكومة تصريف الأعمال، “بالتجاوب مع توجه داخلي ـ خارجي لمنع اطلاق المناقصات في وزارة يكون على رأسها جبران باسيل”، اكتفت مصادر رئيس الحكومة بالقول لـ”السفير” انها ومن منطلق الحرص على حساسية هذا الملف “لن تبادر الى دعوة مجلس الوزراء، مخافة أن يكون المردود سلبيا وعكسيا”. واشارت الى وجود رأي قانوني ودستوري لا يبرر عقد جلسة استثنائية.
وقال مصدر واسع الاطلاع في “قوى 14 آذار” لـ”السفير” انه لا صحة لما ينسب لهذا الفريق “وحبذا لو كان رئيس حكومة تصريف الأعمال يأتمر بأوامرنا”. وأضاف: “نحن طالبنا علنا بعدم عقد جلسة لمجلس الوزراء تحت هذا العنوان أو غيره، تفاديا لتكريس أمور غير دستورية بمبرر تصريف الأعمال بحدوده الضيقة”.
وتابع المصدر نفسه: “التأخير لا يؤثر سلبا ومن الأفضل تشكيل حكومة جديدة تدير هذا الملف، لأن حكومة تصريف الأعمال لا تستطيع قانونا أن تلزم الدولة لسنوات وربما لعقود بمداخيل وايرادات”.
وفيما أكد وزير الطاقة جبران باسيل أنه سيتواصل قريبا مع الرئيس ميقاتي حول هذا الموضوع، نفى ما تردد من همس في اليومين الماضيين بان المرسومين المذكورين قد رفعا الى مجلس الوزراء بمعزل عن هيئة ادارة قطاع البترول.
وقال باسيل لـ”السفير”: “هناك من يتذرع بحجج من اجل التعطيل لا اكثر، فهذان المرسومان سلكا الطريق، ولهما طابع تقني، وتم إعدادهما وفق الاصول من قبل هيئة ادارة قطاع البترول التي استعانت بعدد من المستشارين، وتم رفعهما الى مجلس شورى الدولة لإبداء رأيه فيهما، وكذلك تم ابلاغهما الى الشركات المعنية التي وضعت ملاحظاتها عليهما. وبعد كل تلك الدورة القانونية تم رفعهما منذ نحو سبعة اشهر الى مجلس الوزراء”.
يذكر ان المرسوم الأول يتعلق بإطلاق التراخيص للشركات التي ستلتزم “البلوكات”، وهو أنجز بعد تشكيل هيئة ادارة قطاع البترول. أما المرسوم الثاني، فكان قد أقر في العام 2010، أي قبل تشكيل الهيئة، وهو عبارة عن اتفاقية تقاسم الانتاج مع الشركات التي ستكون مسؤولة بعد انتهاء المناقصات عن أعمال الحفر والتنقيب والاستخراج.
ويحتاج المرسوم الثاني، لكي يصبح ساري المفعول، الى قانون يصدر عن مجلس النواب المقفلة أبوابه في انتظار بدء أعمال العقد العادي الثاني في أول ثلاثاء بعد الخامس عشر من تشرين الأول الحالي.
من جهته، شرح رئيس مجلس النواب نبيه بري من جنيف، سبب إصراره على تلزيم “البلوكات” النفطية العشرة دفعة واحدة. وقال إن موقفه هذا “يعود لسببين: الأول، من أجل قطع الطريق على أي تعدٍ إسرائيلي محتمل على ثروتنا النفطية، والثاني مرتبط بحاجة لبنان الملحة إلى موارد مالية في مواجهة أعباء الدين العام وغيرها” .

السابق
النهار: لبنان معطَّل وتتحكم فيه عصابات الموت لا تمويل للمحكمة ولا جلسة للنفط قريباً
التالي
الديار: عتاب بلهجة صريحة للخليجيين لبنان لا يستأهل المقاطعة