تسريبات عن اتفاق أميركي ـ روسي يمدد ولاية الأسد

تتبدد آمال المعارضة السورية بشأن التوصل إلى حل سياسي لأزمة سوريا، ينطلق من تسليم الرئيس السوري بشار الأسد السلطة إلى حكومة انتقالية كاملة الصلاحيات، وهو ما تشترطه المعارضة للمشاركة في مؤتمر «جنيف 2» للسلام، المزمع عقده منتصف الشهر المقبل. وفاقمت من إحباط المعارضة السورية وخيبتها تصريحات الأسد خلال ثماني إطلالات إعلامية في أقل من شهر، لناحية تأكيده رفض التنحي عن منصبه واستعداده الترشح لولاية جديدة «بناء على رغبة الشعب السوري»، إضافة إلى تسريبات دبلوماسية أخيرة عن اتفاق أميركي – روسي، يقضي بتمديد ولاية الأسد حتى منتصف عام 2016.

 

 

وكانت تسريبات غير رسمية رجحت تأجيل الانتخابات الرئاسية السورية، المقررة منتصف العام المقبل، مما يسمح للأسد بالبقاء لمدة عامين إضافيين في منصبه، بعد انتهاء ولايته الحالية منتصف شهر يوليو (تموز) 2014، وذلك استنادا إلى الفقرة 2 من المادة 87 من الدستور السوري النافذ منذ العام الماضي والتي تنص على أنه «إذا انتهت ولاية رئيس الجمهورية ولم ينتخب رئيس جديد، يستمر رئيس الجمهورية القائم في ممارسة مهامه حتى انتخاب الرئيس الجديد». ونقلت تقارير إعلامية غير مؤكدة عن مصدر دبلوماسي بريطاني قوله إن «موسكو وواشنطن اتفقتا، من دون الإعلان عن ذلك، على تأجيل الانتخابات الرئاسية»، إضافة إلى تأمين «غطاء سياسي دولي» يسمح بتمديد ولاية الأسد استنادا إلى الدستور السوري.

 

إلا أن الخارجية الأميركية نفت وجود تلك الصفقة، وقالت إن الأسد «يجب حتى ألا يفكر» في البقاء في الحكم.

 

وقالت ماري هارف، المتحدثة باسم الخارجية الأميركية «كيف يمكن لأي حاكم قتل أكثر من مائة ألف شخص، وأباد يوم 21 أغسطس (آب) بالغاز 1.400 آخرين، حتى مجرد أن يفكر في أن يترشح في الانتخابات ليبقى في الحكم؟». وأضافت «ظل السوريون واضحين في ما يريدون، ونبقى نحن واضحين في تأييدهم، إذا كان يريد (الأسد) حقيقة أن يلبي رغبات شعبه، فعليه الرحيل».

 

وكان جون كيري، وزير الخارجية الأميركي، قال، في وقت سابق، إن عدم ترشيح الأسد لنفسه في انتخابات السنة المقبلة سيساعد المرحلة الانتقالية في سوريا، نحو نظام ديمقراطي مستقر. وإجابة عن سؤال، خلال مؤتمرها الصحافي اليومي، عن قول الأسد، في مقابلة مع صحيفة تركية إنه قد يرشح نفسه للانتخابات المقبلة، قالت هارف «يوضح مجرد إلقاء نظرة على المعارضة، وعلى عدد الأشخاص الذين انضموا إلى المعارضة عبر سوريا لمحاربة ومعارضة نظام الأسد، أنه فقد شرعيته، وأنه يجب أن يذهب، وأن التطورات تتحرك في هذا الاتجاه».

 

وردا على سؤال عما إذا كان مؤتمر جنيف المقبل حول سوريا (جنيف 2) سيوفق بين موقف الأسد وموقف المعارضة السورية حول بقاء الأسد لفترة أكثر، قالت هارف «نرى أن مؤتمر (جنيف 2) يجب أن يسير على خطى (جنيف 1)، وأنه سيقود سوريا إلى مرحلة انتقالية، وأنه ليس مرتبطا بأي انتخابات مثل التي يقول الأسد إنه ربما سيترشح فيها أو لن يترشح».

 

من جانبه نفى عضو «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية»، ورئيس المجلس الوطني السوري السابق، عبد الباسط سيدا، أن تكون المعارضة السورية قد تبلغت بأي معلومات عن وجود اتفاق مماثل بين موسكو وواشنطن. ولم يستبعد في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن «يسعى النظام السوري بعد أن لاحظ نوعا من التعامل اللين من قبل المجتمع الدولي، بعد استخدامه للسلاح الكيماوي، لمحاولة استغلال الفرصة من خلال البند الذي ينص على تأجيل الانتخابات ما دام الوضع غير مساعد».

 

ورأى سيدا أن تصريحات الأسد والتسريبات المرتبطة ببقائه في السلطة «ليست إلا ألاعيب جديدة من جانب النظام السوري». وقال «الجميع يعرف كيف فرض الأسد الأب الدستور بطريقة تعسفية، وكيف عدله الابن بالطريقة ذاتها ليأتي مناسبا لتطلعاته»، مجددا التأكيد على أن «المعارضة لن تعترف بشرعية أي مخرج لا يتضمن رحيل الأسد عن السلطة».

 

وأكد الأسد، في إطلالته الأخيرة قبل يومين لقناة تركية معارضة، أنه «لن يتردد في الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة إذا كانت هذه رغبة الشعب السوري». ودأب الأسد وعدد من أركان نظامه في الأسابيع الأخيرة على تكرار أن الأسد لن يتنحى عن منصبه قبل انتهاء ولايته، من دون إغفال الإيحاء بإمكانية ترشحه لولاية جديدة، وذلك على لسان وزير خارجيته وليد المعلم ووزير الإعلام عمران الزعبي اللذين ألمحا إلى احتمال ترشيح الأسد نفسه لولاية ثالثة.

 

في المقابل، شدد سيدا على «أننا نعتبر أن الثورة تواجه نظاما فاقدا للشرعية إن لم نقل إنه لم يمتلك الشرعية أصلا»، مبديا أسفه لاستمرار «تعاطي المجتمع الدولي بالسلبية ذاتها مع النظام». وقال «لم نلمس بعد أي بوادر لتحرك دولي فاعل من أجل معالجة أزمة سوريا، على الرغم من إصدار تصريحات بين الحين والآخر من الدول الفاعلة، وتحديدا الولايات المتحدة»، مذكرا بأنه سبق للرئيس الأميركي باراك أوباما أن أعلن أن «استخدام السلاح الكيماوي خط أحمر، لكنه تراجع عن موقفه هذا بعد أن استخدم النظام (الكيماوي) على دفعات وصولا إلى مجازر الغوطة الشرقية». ولفت إلى أن «المجتمع الدولي يتحجج اليوم بالتطرف الذي يراه خطرا عليه، عوضا عن محاسبة النظام السوري، وكل ما يحكي عن تهيئة الأجواء لبديل عن النظام الحالي غير واضح المعالم».

 

وبحسب التسريبات المتداولة، فإن الاتفاق الأميركي الروسي بشأن التمديد للأسد ينطلق من عوامل عدة، أبرزها استكمال الأسد تفكيك الترسانة الكيماوية السورية والقضاء على الجماعات المتشددة، بعد تصاعد نفوذ الكتائب المقاتلة والمرتبطة بتنظيم القاعدة، عدا عن أن الواقع السوري الحالي لناحية وجود ملايين اللاجئين خارج الحدود والنازحين في الداخل، وخروج مناطق عدة عن سيطرة النظام وعدم انتظام العمل الدبلوماسي في سفارات النظام، يجعل من إمكانية تنظيم الانتخابات الرئاسية مهمة صعبة، إن لم تكن مستحيلة.

 

من ناحيتها، تعتبر المعارضة السورية أن خارطة طريق المرحلة المقبلة واضحة جدا، استنادا إلى النقاط الست الواردة في اتفاق جنيف الأول وأبرزها تشكيل حكومة انتقالية تملك كامل الصلاحيات التنفيذية، وإطلاق حوار وطني بين مكونات الشعب السوري يسمح بمراجعة الدستور والإعداد لانتخابات حرة وديمقراطية.

 

ويقول سيدا في سياق متصل إن «التذرع بمحاربة الجماعات المتشددة أو إنهاء تدمير الترسانة الكيماوية ليس إلا حججا واهية»، مشددا على أنه «لا يمكن أن يكون من كان السبب في تدمير البلد وقتل السوريين، جزءا من مستقبل سوريا». وأكد أن «أي مخارج مماثلة تشكل استخفافا بعقول السوريين، ومحاولة لإيهامهم بوجود حل، في وقت تنعدم فيه المؤشرات أو البوادر حول طبيعة الحل المقبل»، لافتا إلى «اننا فقدنا الثقة بالمجتمع الدولي بعد الصفقة الأميركية الروسية بشأن الكيماوي، وكل ما يسوقون له يزيد من خيبتنا، من دون أن يعني ذلك تراجعنا عن استمرار الثورة لمواجهة نظام الأسد».

السابق
ديبلوماسي رفيع في نيويورك: موسكو مصرة على حماية الأسد
التالي
داعش تسعى لمبادلة المخطوفين التسعة بموقوفين في لبنان