عن التقارب الاميركي- الايراني ومقاربة الحكومة الجديدة

لم ترسم ظاهرتا تأجيل زيارتي رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان الى السعودية والامارات خلال يومين فقط، علامات الدهشة على محيا اللبنانيين من اهل السياسة والشعب، بل تجاوزت في الشكل حدود ارتكاب فعل “الإهانة” للشعب اللبناني كله ولموقع الرئاسة اللبنانية وللرئيس سليمان نفسه الذي ما فتئ يحافظ على علاقات لبنان الخليجية طوال مسيرته الرئاسية وهو حتى اشهر خلت صال وجال من ديوان امير الى قصر ملك بحثاً عن ارزاق اللبنانيين والحفاظ على لقمة عيشهم، والحق يقال ان هذا الرجل ما زال يتابع هذا الملف وحريص على لقمة ابناء الوطن ويسعى دائماً الى منع التشفي من بعض اللبنانيين من مذهب معين ولاعتبارات سياسية محددة ايضاً.
في المقابل توقف كثيرون عند “الاستخفاف” الايراني بطريقة الاعلان عن تأجيل اللقاء الذي روج له الايرانيون والسعوديون اكثر من مرة وقبل حدوثه بايام وحتى باسابيع فكادت الالسن تجف من مائها لكثرة ما هللت وترقبت وحللت مضامين الزيارة التاريخية التي ستجمع الشيخ حسن روحاني والملك عبدالله بن عبد العزيز، فاللقاء على هامش الحج واذا استكمل في السياسة سيكون اكثر “روحانية” في مضامينه.
تأجيل لقاءات سليمان مسبقاً ولقاء الرياض حقاً يعكس وفق مصادر دبلوماسية فاعلة في بيروت حجم التخبط الذي اصاب الجميع في المنطقة بعد ان انهكت ازقة سورية كل المتقاتلين على ارض يرون فيها استعادة لأمجاد ولأحلام ومصالح قد حان قطافها وتحصيلها، فالسعودية الغاضبة من التقارب الايراني- الاميركي ليست وحدها من بات يحسب حساب الخسارة، فاسرائيل تعتبر نفسها متضررة من الاتفاق الاميركي- الايراني على تسوية شاملة في المنطقة وتعتبر ان هذا التقارب لا يخدم توجهاتها ومصالحها الا اذا اقترن بتنازلات اضافية اميركية – سورية، فكسب اسرائيل ورقة السلاح الكيميائي الاستراتيجي جعل من اروقة القرار فيها تطمح الى مزيد من المغانم من سورية الجريحة وراعيها الايراني، ورغم تلمس الاسرائيليين الارادة الجادة لدى الجانبين الاميركي والايراني لما هددوا بتصعيد مشابه للتهديد بضرب منشآت ايران النووية منذ عام ونيف. لذلك يلعب الاسرائيليون ورقة الضغط على الاميركيين بذكاء من بوابة التحالف التاريخي والمصالح المشتركة وعلى حساب التقارب الاسرائيلي مع حلفاء اميركا من دول الخليج والنفط والتطبيع الكامل للعلاقات من زواية التبادل التجاري والتفاعل الاقتصادي على ان يتم ذلك بشكل علني لتتشجع باقي الانظمة العربية وتعلن تعاملها مع اسرائيل كدولة صديقة وليست عدوة.
وتصف المصادر ردة الفعل الخليجية المعترضة على التقارب الايراني- الاميركي بانها غبية وهي انظمة لا تحسب العواقب جيداً فاي تسوية بين الايراني والاميركي تكرس الهدوء في المنطقة فلا تعود هذه الحشود الاميركية التي تعبّر بواقع الحال عن حضور عسكري لاميركا الموجود اصلاً ولا تبدو هذه الاساطيل مصدر تهديد لايران ونظامها الاسلامي الذي يشعر ان اميركا تريد رأسه، فبعد مغادرتها افغانستان حل مكانها وربح وفي العراق كذلك واليوم في سورية فرمل كل مخططات اسقاط النظام واغراق السوريين في محور الاستسلام لاسرائيل وحلفائها من العرب”.
وتشير المصادر الى ان الخليجيين منزعجون من هذه التسوية لتيقنهم ان كأس الربيع العربي لن تبقى محصورة في ساحات كانوا يسرحون ويمرحون فييها فالايرانيون لن يهدأوا قبل قلب كل الانظمة الخليجية وبعثرة نسيجها الاجتماعي، فبعد هيمنتهم الاقتصادية ومحاصرة الخليج عسكرياً وغزوه ثقافياً وبالفكر الشيعي عبر تشييع آلاف من الخليجيين من اهل السنة سيمهدون الطريق الى تحريك ما تبقى من دول خليجية يترنح نظامها السياسي تحت وطأة ديمقراطية مقنعة بالملكية وبالعائلة الحاكمة”.
في لبنان يشعر اهل السياسة ان التسوية آتية لا محالة وتشي حركة سفراء ايران وروسيا وسورية في الايام الماضية بان مضامين التسوية قد بدأت بالنضوج حيث لم يستبعد الايرانيون في طياتها الحفاظ على المقاومة وحلفائها والتمسك بهم حتى آخر رمق. فثمة من اوحى الى قوى 8 آذار ان الرئيس تمام سلام وتيار المستقبل لا يمانعون الانتقال الى تسوية حكومية انطلاقاً من صيغة 9-9-6 واتى بعدها تصريح سلام انه تبلغ من النائب وليد جنبلاط هذه الصيغة فكان رد 8 آذار وحزب الله بالاعلان عن لقاء معه لابلاغه الموافقة وبعد 36 ساعة لم يحدث اللقاء وعلم ان الزيارة تأجلت من الامس حتى اليوم بعد اتصال جرى صباحاً واعلم فيه الرئيس المكلف تمام سلام بالزيارة الا انه تمنى تأجيلها حتى اليوم لارتباطه بموعد مسبق خارج بيروت بينما اوردت اوساط سلام عدم علمها باي لقاء او طلب موعد. في كل الحالات حدث اللقاء اليوم ام لم يحدث فثمة من يقول في بيروت ان مرحلة جديدة ستبدأ هنا ويجزم الدبلوماسي البارز انها لن تكون بعيدة جداً.

السابق
إيران وتركيا والسعودية وإسرائيل: نظام إقليمي مُركّب
التالي
إقفال الطريق العام في الكرك المعلقة