إيران وتركيا والسعودية وإسرائيل: نظام إقليمي مُركّب

لم يتضِح حتى الآن حجم التفاهمات التي يمكن أن تتوصل اليه واشنطن وطهران، جُلّ ما في الامر أن اللغة المستخدمة بين الطرفين تبَدلت، وتم تتويج نيّات التقارب والتفاهم باتصال هاتفي بين الرئيسين باراك اوباما وحسن روحاني. وعلى رغم ذلك، سارعت اسرائيل، “المتضرّر الأبرز”، ومعها بعض دوَل الخليج، الى إعلان تشكيكها ورفضها وتخوّفها من هذا التقارب.

ولم ينقضِ الامر بالتصريحات الاعلامية وحالات الاحتجاج الديبلوماسي، بل ذهب رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو الى واشنطن منتقداً ومحرّضاً على روحاني ومشككاً بنيّاته، وذهب مسؤولون خليجيون الى تل أبيب في زيارة سرية لتنسيق المواقف حيال التحوّلات التي تشهدها العلاقات الايرانية ـ الاميركية، وفق تسريبات بعض الصحف الغربية والاسرائيلية.

عند هذا الحد يبدو الأمر أقرب الى “تقاطع المصالح” منه الى التحالف الاستراتيجي بين مجموعة المتضررين المتخوّفين. هذا ما يفرضه العقل والمنطق وطبيعة النزاعات القائمة في المنطقة. لكنّ الغلوّ في سلوك هذا المسلك في وجه إيران، والضغط على الولايات المتحدة الأميركية للتخفيف من اندفاعتها “التصالحية”، يعني أن المنطقة ستكون امام اختبارات أمنية وسياسية صعبة، من أجل تثبيت “نظام اقليمي” بأرجحية ايرانية بعد تحييد تركيا ومحاولة الايرانيين احتوائها حالياً.

وعلى رغم كلّ ما جرى من خلاف واختلاف في الملف السوري، ظلّ الايرانيون محافظين على علاقات جيدة مع الاتراك، وكان المسؤولون الايرانيون يقولون صراحة: “لقد أخطأت تركيا خطأ مميتاً في طريقة تعاملها مع ملف الازمة السورية، وعلى رغم ذلك نحن معنيون برَمي “حبل النجاة” لأنقرة وعدم العمل على توريطها أكثر”. وطبعاً، كان في ذهنهم المشهد الاوسع للخريطة الاقليمية التي ستنتج عن النزاع في سوريا بِناء على الحسابات والمصالح وموازين القوى.

الوقت جاء لمصلحة طهران، على خلفية التطورات السورية وتلك الدولية والاقليمية المتعلقة بها. ها هم حلفاء الأمس من الجماعات المسلحة ضد الرئيس بشار الاسد يتقاتلون على الحدود التركية. ومَن يعرف تلك الجماعات وطبيعة علاقاتها، يدرك أنه نزاع سعودي ـ تركي مَكتوم. الرياض تريد حجز مقعد لها على أيّ طاولة مفاوضات حول الازمة السورية، وكذلك انقرة التي باتت النيران تتسرّب اليها عبر الحدود والعبوات الناسفة بتوقيع “داعش”.

كل هذه الاحداث والتطورات محاولات لمواكبة قواعد اللعبة الجديدة على مستوى الازمة السورية وعملية إنتاج نظام اقليمي يعكس موازين القوى بعد ثلاث سنوات من النزاع. بعض العرب اختار التناغم مع اسرائيل في معركته “الوجودية” ضد ايران! والاخيرة ستحاول الاستفادة من غزلها المستجِدّ مع واشنطن لاستمالة تركيا. فنكون أمام نظام اقليمي مركّب قائم على النفوذ وموازين القوى المركّبة بدورها.

لكن هل يخلق هذا النظام الاقليمي استقراراً في المنطقة؟ أم انه سيظل استقراراً مضطرباً طالما انّ التناقض الرئيسي على مستوى المنطقة لم يُحلّ؟
على الارجح، المنطقة مقبلة على تفاهمات مرحلية تعكس رغبة مختلف الاطراف في التقاط الانفاس وتقدير الموقف.

واشنطن غارقة في أزماتها الداخلية، موسكو تتقدم على المسرح العالمي بلغة المصالح، إسرائيل ودول الخليج أصابها الإرباك، تركيا وجدت انها سبقت واشنطن كثيراً في الملف السوري وبدأت تُفرمل من اندفاعتها، وطهران تريد المحافظة على ما حققته من مكاسب سياسية حتى الآن. على شكل هذه الصورة المركبة سيكون النظام الاقليمي المقبل على الارجح.

لا تسويات وتفاهمات دائمة، ولا استقرار دائماً. المنطقة مقبلة على توازنات صعبة ومعقدة وقد لا تدوم… طالما انّ القضية المركزية في النزاع لم تُحَلّ، والتقدم في تسويتها لم يحصل، إنها القضية الفلسطينية.

السابق
الجميّل: حزب الله اليوم كسوريا 1988
التالي
عن التقارب الاميركي- الايراني ومقاربة الحكومة الجديدة