أبناء الدالية وحدهم: إنه قضاء المال وأمنه

استفاق صيادو «الدالية» في الروشة، أمس، على دعوة من مخفر المنطقة للتحقيق معهم. انتظروا دعماً يأتيهم، فجاءتهم الدولة أمنياً. وقف عامر محفوظ، ومعه أربعة من الصيادين، في مخفر الروشة طويلاً قبل أن يبدأ التحقيق معهم. سبب ذلك هو: موظف قضائي (مباشر) ادّعى أن الصيادين اعتدوا عليه عندما حضر إليهم في الدالية، عصر أول من أمس، إضافة إلى فقدانه أوراقه الرسمية خلال ما حصل.

أنكر الصيادون ذلك أمام القوى الأمنية، مؤكدين أن ما حصل كان «عدم تعاون معه، فقط، ولم يعتد عليه أحد بالضرب… لقد جاء إلينا ويريد أخذ توقيع صيّاد أميّ، بالنيابة عن الجميع، وهذا ما رفضناه عندما علمنا بالأمر».
موظف قضائي!
ذاك الموظف القضائي كان «المباشر» الموفد من قاضية الأمور المستعجلة، زلفا الحسن، لإبلاغ الصيادين بوجوب مثولهم أمامها في عدلية بيروت، وذلك في جلسة بتاريخ 21 تشرين الأول الجاري. الصيّادون مدّعى عليهم بتهمة «البناء في أملاك الغير مع طلب إخلاء». لكن يبدو أن القاضية الحسن فاتها أن يكون رسولها من العارفين بأصول التبليغ. ما فعله الموظف (المباشر) في الدالية، مع الصيادين، خارج عن القانون من جهة، ولا يمتّ إلى اللياقة الأخلاقية من جهة أخرى، وذلك بشهادة مسؤول أمني تابع التحقيق عن كثب.
فبحسب ما علمت «الأخبار» أن الموظف القضائي حضر بمفرده إلى الدالية، من دون أن يبلغ القوى الأمنية المعنية، وهذا «تصرف مخالف لآلية عمل التبليغات». أكثر من ذلك، جاء الموظف «وتعاطى بطريقة استفزازية مع الصيادين، فقصد أحد الأميين الذين لا يعرفون القراءة والكتابة، وأخذ منه توقيعه على ورقة التبليغ. الصيّاد لم يفهم أصلاً على ماذا وقّع. استفزّ الأمر سائر الصيادين، بعدما علموا بما حصل، فرفضوا التعاون». وتضيف المصادر نفسها: «لقد تبيّن أن الموظف أخذ توقيع علي محمود عيتاني عن ابن أخيه، علماً بأن الأخير مسافر خارج البلاد، وبالتالي هذه بحدّ ذاتها مخالفة قانونية». حصل ذلك من دون أن تأخذ مفرزة الشواطئ، أو أي فصيلة في قوى الأمن، علماً بالأمر. المعنيون في القوى الأمنية بدوا أمس غير عابئين بشكوى الموظف القضائي، لأنه هو «مخالف أصلاً، وهو من يستحق أن يُدّعى عليه قضائياً». بإمكان القاضية الحسن أن تجد هذه الشهادات في محاضر التحقيق لدى قوى الأمن الداخلي، لتعرف طبيعة رسولها إلى الناس، ذاك الذي حاول اختلاق توقيعات لا وجود لها أصلاً. نحن أمام موظف قضائي، مرسل من الجهة التي تُعنى بتطبيق القوانين، وها هو يخالف القوانين في عمله! إنها أحجية مألوفة في لبنان. دعوى مقابل دعوى

ما أثار استغراب الصيادين، أمس، هو حضور الموظف القضائي لاحقاً إلى المخفر. جاءهم وراح يصرخ، داخل المخفر، إلى حد جعلهم يشعرون، بحسب قول الصياد حسن نبهة، بأنه «مدعوم وتقف خلفه جماعة المال الخليجي». ما فعله الموظف القضائي في المخفر ينمّ عن سلوك «ميليشيوي» لا يمتّ للقضاء بصلة، إذ قال للصيادين بحضرة رجال الأمن «أنتم ستخسرون وستخرجون من المنطقة، والبطل فينا سوف يضحك أخيراً في المحاكم، وسترون حجمكم!». صوته المرتفع استفز المحقق في قوى الأمن، الذي طلب منه أن يخفض صوته، قائلاً له: «أنت هنا شخص مدني، مثلك مثل الذين ادعيت عليهم، ولا يحق لك رفع صوتك والتهديد هكذا». هذا الأمر، مع ما كان حصل سابقاً عند البحر، دفع بالصياد نبهة إلى الادّعاء على الموظف القضائي نفسه. بات لدينا ادعاء في مقابل ادعاء.

غياب المعنيين عن السمع

حسناً، الآن بحق الصيادين دعويان قضائيتان، الأولى تريد اقتلاعهم من الأرض التي ولدوا فيها وكبروا عليها، من دون أي تعويض، أما الثانية فهي «الاعتداء» على موظف قضائي. الأولى هي الأصل، وهي التي ربما «فُبركت» لأجلها الثانية، بحسب قول الصيادين. لم يصلهم أي غوث، خلال يوم أمس، من جانب الرئيس سعد الحريري أو سواه ممن ناشدوهم المساعدة. ما وصلهم كان فقط مزيداً من «القضاء والأمن» الموجّه. حاولت «الأخبار» استيضاح خلفيات الشكوى القضائية ضد صيادي الدالية، التي تطلب منهم مغادرة المكان، بكل ما فيه من تخشبيات وعدّة لصيد السمك، إضافة إلى 16 منزلاً، لكن من دون نتيجة. القاضية الحسن «لا تتحدث إلى الإعلام». حسناً، اتصلت «الأخبار» بالمعنيين في ما يُسمى المكتب الإعلامي في مجلس القضاء الأعلى، لكن الخط كان مقفلاً! وزير العدل شكيب قرطباوي لم يجب على الهاتف. وزير الأشغال العامة غازي العريضي لم يُجب على الهاتف، مراراً، وهو الذي اشتهر عنه قوله: «لماذا لا تتصلون بي وتسألونني قبل أن تكتبوا عني». اتصلت «الأخبار» أيضاً بالمدير العام للنقل البري والبحري عبد الحفيظ القيسي، ولكن لا مجيب أيضاً، علماً بأن ثمة ما نسبه الصياديون للقيسي يستدعي منه إيضاحه، وهو أن «المسألة أكبر منا ومنكم جميعاً، القضية جاية من برا، وبدكم تطلعوا من الأرض وما حدا رح ينفعكم وما فينا نعمل شي». كل المعنيين كانوا أمس غائبين عن السمع. ربما هو غياب عمدي، بعد الحركة الاحتجاجية التي أثارها الصياديون ليل أول من أمس، وما رافقها من متابعة إعلامية؟ الصيادون كان لديهم شكوك أمس في هذا الاتجاه، لكنهم أصروا على تصريحاتهم، وعلى رفضهم مغادرة المنطقة إلا مقابل تعويضات عادلة ومنصفة.

الحريري الخصم والحكم

لم يكفّ الصيادون عن مناشدة الرئيس سعد الحريري مساعدتهم، بعدما باتوا يعلمون بأنه المدّعي عليهم الأول، يطلب إزالتهم من المنطقة! بدا الصيادون أمس في مينائهم في غربة تامة. «النقنوق» الصياد الخمسيني، الذي أصر على نبذ الصبغة الطائفية عن منطقة الدالية، لم يستطع إلا أن يقول: «نحن هنا بلا ظهر وبلا سند، فلو كان هذا يحصل في الضاحية أو في الجبل أو في أي منطقة أخرى، هل كانت الجهات السياسية هناك ستترك الناس؟ نحن تركنا الحريري وحدنا، أصبحنا أيتاماً بعد رحيل الرئيس رفيق الحريري، الذي أورثنا ابناً ضيّع حقوقنا». يُصرّ هذا الرجل على كلمة «تركنا». كأنه لا يريد أن يُصدق أن من يناشده، أي الحريري، هو نفسه خصم الصيادين هناك. آل الحريري هم أبرز المستملكين في تلك الأرض ويريدونها اليوم خالية من الصيادين، من مظاهر فقرهم وبساطتهم، في مقابل إنشاء منتجعات سياحية على غرار «الموفنبيك» الذي يملكه الوليد بن طلال ويعرضه للبيع في إطار مضاربات عقارية ستهدم ذاكرة اللبنانيين وتطيح حقهم في المستقبل.

السابق
«القاعدة» يغلب القوى الأمنية والسياسية.. في «رومية»
التالي
إمتحان جديد للمجموعة الدولية