فقراء عكار… دولة الرحيل!

انضم لبنان عبر فقراء عكار الى نادي الدول المصدرة للهجرات غير الشرعية، تلك البلدان التي لا تسمح اوضاعها المزرية والبائسة بالالتفات الى فقرائها فيتركون لمصير اشد بؤسا من الاوطان.

تلك المأساة في بحر تهريب المهاجرين غير الشرعيين بين اندونيسيا واوستراليا صدّرت الى العالم صورة مبتكرة لم يألفها من قبل. صورة لبنانيين يلتحقون بفقراء الصومال وفييتنام ودول افريقية وآسيوية ويستميتون الى حدود الانتحار الجنوني لبلوغ سواحل العوالم المترفة علّ في هذه المغامرات القاتلة الخلاص من جحيم الفقر والعوز.

صورة مهينة حتى العظم للبنانيين وصادمة الى اقصى حدود الصدمة مقدار الفجيعة في المقتلة الجماعية لعائلات عكارية يسهى على كثيرين من ابناء بلدهم ان نسبة الفقر في وطنهم ترتفع ارتفاعا مخيفا بموازاة الارتفاع الاشد خطورة في تحول لبنان بلد هجرة وربما توطين جديد للاجئين السوريين والفلسطينيين. ولنتصور المعادلة المرعبة مع نزوح اللبنانيين بهجرات شرعية وغير شرعية الى سائر انحاء المعمورة فيما تتحول الدولة اللبنانية الى مجرد عدّاد للألوف المتوافدة موسميا ويوميا من النازحين السوريين وبالكاد تقوى على اعلان الارقام والنسب الآخذة في التصاعد. حتى ان “وظيفة ” العداد نفسها لا تقوى الدولة على الاضطلاع بها منفردة فتستعين بالوكالات الاممية والدولية المتعددة الاختصاص لمساعدتها في الكشوفات والتقارير.

هي عكار المنطقة الاكثر حرمانا اليوم وقبله وبعده مع مأساة اولاد قبعيت وغيرها من مآس معلنة ومضمرة. هي النموذج الاشد صدما واهانة للانسان اللبناني الذي يبلغ اليأس منه حدود ركوب المخاطر القاتلة للفرار من فقره وصحراء الاهمال والتهميش والحرمان الحقيقي. وهي العنوان الصارخ لادانة دولة وتركيبة سياسية مذهلة في انانيتها وجهلها لمكونات لبنان الاجتماعية والمناطقية وغارقة حتى ما فوق الاذنين في التفاهة والضحالة والهبوط والقصور والتبعية. لا ندري بعد هذه الفجيعة اي قيمة تبقى للكلام على حواضر السياسة اللبنانية وازماتها ما دامت عائلات عكارية اختصرت في رحلة الموت كل النتائج والخلاصات لانهيار رسمي وسياسي وامني واداري واقتصادي واجتماعي فتحولت مأساتها افظع ادانة لمجمل المجتمع اللبناني. ولا حاجة بعد هذه الفجيعة سوى الى التمعن بمعادلة مفزعة تفيد بان اكثر من نصف سكان لبنان سيكون من غير اللبنانيين في وقت تتكشّف ازمات اللبنانيين عن انماط طارئة لم تتبع حتى في حقبات الحروب فيه للهجرة والهروب من واقع اجتماعي قاتم هو الحصيلة الحصرية لتعطيل الدولة ومحاصرتها وشلّها واخماد اي قدرة لديها على ان تكون دولة بالمعايير الطبيعية في ادنى سقوفها ومواصفاتها.

ومع ذلك يبقى من يحدثك عن تلك الغرغرة الجوفاء في البحث عن حكومة هائمة او امن شرعي. فأي شرعية امام كل هذا الابتلاء الذي يهين الانسان اللبناني كلما طلع صباح محفوف بخبايا الانهيار؟

السابق
طائرة استطلاع اسرائيلية خرقت الاجواء
التالي
لا عرب في الأمم المتحدة والمسرح خال للأميركيين والروس.. وإيران