ضعف لبنان في قوته؟

لا يبدو ان اولوية النفوذ والتحكم الأمني في لبنان ومحيطه قابلة للتعديل في المدى القريب لدى حزب الله. هذه الاولوية ستستمر وستتعزز في المقبل من الايام، سواء تمّ ذلك باضفاء الغطاء الشرعي عليه من قبل الحكومة او لم يتم. فلا يحتاج هذا الاستنتاج الى كبير جهد من اجل تبيان حقيقته. فالمخاطر الواقعية، او المدّعاة، متوفرة أو غبّ الطلب لتبرير وجود هذه السلطة الامنية والعسكرية، على امتداد الوطن وصولا الى قلب سورية وربما ابعد.
وستبقى مقولة عجز الدولة وضعف اجهزتها الامنية والعسكرية لازمة على السنة معظم اركانها، الى حدّ يبدو المواطن اللبناني هو المسؤول عن هذا الضعف. وهذه الصورة لن تتغير في المدى القريب، وعلى اللبنانيين التسليم بهذه الحقيقة سواء كانت مرة او حلوة. فاذا كانت اسرائيل قد وفرت ذريعة وجود الخصوصية الامنية واجتهادات تمدد نفوذها واستخداماتها، فثمة عدوٌ جديد هو اخطر من اسرائيل لدى جزء من اللبنانيين، لانه عدوٌ يستطيع النفاذ الى حيث لا تستطيع اسرائيل. وما انتشار مصطلح التكفيريين بهذا الشكل المضخم الا نتيجة جهد مدروس ومقصود، يريد تضخيم القوة والامتداد والانتشار لهذه المجموعات، بما يفوق واقعها الفعلي. وهذا ما يفسر الغموض المحيط بمصطلح التكفيريين عند مطلقيه. هو مصطلح غائم لجهة تعريفه وتحديد من هو التكفيري. فهو مصطلح تمت صناعة الجزء الاكبر من صورته في مخيلة اللبنانيين وغيرهم. واحدى وظائف هذه الصناعة هي رفد الذريعة الدينية والمذهبية للذود عن نظام الاسد وتبرير ما ارتكب ويرتكب من جرائم ضد شعبه.
فشيطنة معارضيه وجعلهم على صورة التكفيريين هي الكفيل باستمرار قتالهم. وخطر التكفيريين حاضر هذه الايام بقوة، وبات يشكل طاقة الاستقطاب، ووسيلة شدّ العصب المذهبي، والسبيل الناجع لجذب المزيد من الشباب الراغب بالانخراط في الدفاع عن “المقاومة”. تلك التي فقدت دلالاتها الواضحة الا في جانب الطاعة والولاء، فخطر التكفيريين اذاً تجديد لوسائل جذب المزيد من المقاتلين، وبالتالي تعزيز الوظيفة الامنية وترسيخها من اجل “حماية الاهل”. واذا كان حزب الله انتبه الى مخاطر نشر الحواجز الامنية في المناطق ذات الغالبية الشيعية، فلأنه لمس تفوق الاكلاف على المكاسب. لهذا قرر التراجع التكتيكي، من دون ان يخل بوظيفة القبض على امن هذه المناطق، متفاديا بذلك اعباء الاصطدام المباشر مع مصالح المواطنين.
لكن ذلك لم يوقف عملية الاعداد العسكري والامني، ولا خفّف من تدفق مقاتليه نحو الشرق. فالمعركة تحولت في سورية الى معركة وجودية. ورغم ان التحقيقات لم تكشف من نفذ تفجيري الرويس وبئر العبد، الا ان هناك اصرارا على لصق المسؤولية بالجهات التكفيرية. ويتم التعامل من قبل الكثير من الناس مع هذين التفجيرين على انهما من تنفيذ جماعات تكفيرية. ولا احد يستطيع القول ان ليس هناك جهات اسلامية يمكن ان تقوم بتنفيذ هذين التفجيرين. لكن يحق للبنانيين عموما واهل الضحايا خصوصا ان يعرفوا بالوقائع من هو القاتل، وعبر القضاء، وليس عبر المنابر او من خلال التسريبات الاعلامية والامنية.
تعميم الاتهام هذا شعبيا يكتسب معناه في وظيفة التجييش، وهي وظيفة لا يتقدمها أيّ امرٍ آخر. فكل ما يزيد من خوف الجماعة وذعرها يوفر المبرر للتعسف في استخدام القوة والتطبيق الاعمى والمشوّه لقاعدة “الضرورات تبيح المحظورات”. وصولا الى الاعتداد الفارغ بالقوة التي لم تستطع ان توفر الطمأنينة لأصحابها، بل زادت من شعور الخوف، وانعدام الثقة بالآخر.
اذ عندما يصير هاجس الجماعة كامناً في الحذر من المختلف مذهبيا ولو لبس (الحذر) لبوس القضايا الكبرى، ثم تعميمه في الخطاب والتعبئة والسلوك، والشعارات… اذ ذاك يصبح الخيار العسكري والتحصن الامني نتيجة حتمية لهذين الحذر والخوف.
السلاح في هذا المعنى يصير مصدر خوف وليس مصدر أمان. والمزيد من الامن يعني المزيد من الخوف. والمزيد من القوة يعني المزيد من الضعف.

السابق
مصادر رسمية للأنباء: حزب الله يحتاج القيام بخطوات لتنظيم وضعه السياسي
التالي
الخارجية الاميركية: نعتزم الرد على طرد فنزويلا 3 دبلوماسيين اميركيين