أردوغان ومصر

لن تكون حزمة الإصلاحات التي أعلن عنها أردوغان هذا الأسبوع والتي من أبرزها رفع الحظر عن ارتداء الحجاب في المؤسسات العامة هي الأخيرة، بل ستتبعها اصلاحات أخرى مقبلة، وهي اصلاحات كان يطمح أردوغان لتحقيقها منذ توليه رئاسة الوزراء، لكنه كان يؤمن بقضية التدرج وتهيئة الظروف.
لقد تعلم رئيس الوزراء التركي من التجارب السابقة في كيفية التعامل مع المؤسسة العسكرية وقوى الفساد، ولذلك استطاع من خلال الانجازات وتأخير المواجهات التي يرى أن الشعب لم يكن مستعدا لها، من الوصول إلى الاصلاحات التي يطمح لها.
لقد كوّن أردوغان قاعدة شعبية كبيرة له، كانت هي من أكبر المناصرين له والداعمين لقراراته، لذلك كان يلجأ إلى تحكيمها مع كل نزاع أو عرقلة تقوم بها أحزاب المعارضة أو المؤسسة العسكرية.
فلقد تكررت منه الدعوة إلى انتخابات مبكرة، ودعا الشعب إلى استفتاءات شعبية عدة، وفي كل مرة يجد الدعم من الشعب التركي الذي اختاره وهو يفخر به.
هذه القاعدة الشعبية لأردوغان هي التي مكّنته من أن تكون دولته هي الوحيدة التي لم تسمح لأميركا باستخدام أراضيها لاحتلال العراق في 2004، وهذا التأييد الشعبي هو الذي جعل أردوغان يتصلب في موقفه مع الصهاينة بعد عدوانهم الآثم على اسطول الحرية وقتل مجموعة من الأتراك، ما جعل الصهاينة وللمرة الاولى يقدمون الاعتذار لدولة عربية أو اسلامية.
مواقف أردوغان في المحافل الدولية – كموقفه من بيريز في مؤتمر دافوس – أصبحت مواطن فخر للشعب التركي الذي يرى رئيس وزرائه يتعامل مع الدول الأخرى تعامل الند للند لا تعامل العبد مع الأسياد.
لقد استطاع أردوغان بذكائه وحنكته ووفق عمل مدروس وخطة محكمة من تحجيم دور الجيش بحيث لا يتدخل في الشأن السياسي وإنما يتفرغ لمهمته الأساسية وهي حماية الدولة من الأخطار الخارجية.
وهذه التجربة ينبغي أن تتعلم منها الأحزاب السياسية والدينية في مصر وفي مقدمها جماعة الإخوان المسلمين، كما ينبغي أن يتعلم منها الشعب المصري أنه بعزيمته وإرادته بعد عون الله تعالى يستطيع أن يهزم العسكر، وأن يرجعهم إلى ثكناتهم، مهما بلغت درجة العنف التي يمارسونها في قمع مخالفيهم، ومهما كان الدعم الذي يقدم لحكم العسكر من الخارج، فأميركا كانت مع الانقلابيين العسكر في تركيا وهي ضد توجهات أردوغان ذي المرجعية الإسلامية، لكن في النهاية قال الشعب التركي كلمته واختار قيادته، لذلك الأمل معقود بعد الله تعالى على الشعب المصري أن يُكمل مسيرته في رفض حكم الانقلابيين، وأن يستمر في اعتصاماته ومسيراته واضراباته وفعالياته المناهضة للانقلاب، وعما قريب بإذن الله سيتهاوى حكم العسكر والذي يلاحظ الكثيرون أنه في حالة تخبط في القرارات والتي تدل على ضعف موقفه، خصوصا أنه بعد مضي 3 أشهر على الانقلاب لم تعترف به من بين أكثر من 190 دولة سوى بضع دول لم تكمل عدد أصابع اليدين.
وسنظل متفائلين بسماع خبر سقوط حكم العسكر وعودة الرئيس المنتخب، وأول من ينقل لنا هذا الخبر ستكون له البشارة بإذن الله.

السابق
دار الفتوى: نأسف لاتخاذ الكذب والافتراء سبيلا للنيل من المفتي
التالي
خريس: لعدم الرهان على الخارج والسير بخارطة بري