سيناريو متخيّل لحوار سليمان ــ أوباما

تعددت الروايات حول اللقاء التاريخي بين الرئيس اللبناني ميشال سليمان والوفد المرافق، مع الرئيس الأميركي باراك أوباما ووفده، في نيويورك، على هامش الدورة العادية للجمعية العامة للأمم المتحدة. هنا رواية شبه موثقة عن هذا اللقاء الاستثنائي.. مع التحفظ والتنبيه إلى احتمالات الوقوع في السهو وخطأ التقدير.
كان الوفد الرئاسي شبيهاً بالتبولة اللبنانية الشهيرة: فيه شيء من البرغل الأرثوذكسي والبندورة الشيعية والخس السني والحامض الدرزي، إضافة إلى الزيت الماروني المقدس.
ولقد وجد الرئيس الأميركي الأسمر ببعض جذوره الإسلامية، باراك أوباما، أنه «قريب» في استثنائيته العنصرية والدينية من «خلطة» هؤلاء اللبنانيين الذين طالما تباهوا بالتعدد على حساب «الوحدة» التي باسمها يتولون المناصب الرسمية في الدولة ذات الحدود المرشحة للالتهاب شمالاً وشرقاً.. وجنوباً.
كانت سوريا ومصير النظام فيها الذي ضربته لوثة الكيماوي الهاجس المشترك، أما إسرائيل فهمّ لبناني مفرد يبحث في اللقاء عمّن يطمئنه ولو بصيغة عامة ومبهمة.
من أجل إسقاط الشعور بالتهيّب بدأ الرئيس الأميركي حديثه بالشؤون العائلية، سأل عن الأبناء والأحفاد قال: فهمت أنك قد صحبت ابنك شربل وصهرك وسام، وابنتك لارا.. عساهم مرتاحين معنا هنا؟!
هز الرئيس سليمان رأسه شاكراً، وقد أزعجه هذا المدخل العائلي للمحادثات الرسمية.
أكمل أوباما فقال: أسمع الكثير من التقدير والإعجاب بلبنان، الوطن الصغير الغني بكفاءاته والمميز بدوره في محيطه. ولقد قرأت، في شبابي شيئاً من أشعار جبران خليل جبران، وأعجبت بكتابه المميز «النبي».. وسمعت أن العديد من أدباء لبنان نشأوا هنا.
هنا وجد الرئيس سليمان الفرصة للحديث عن الأعداد الأسطورية للبنانيين في أميركا وقد غدوا أميركيين واندمجوا في مجتمعهم الجديد من غير أن ينسوا «بلد المنشأ»، وإن كانت أجيالهم الجديدة لا تتحدث اللغة العربية ولا تفهمها.
وقاطعه أوباما ضاحكاً: مثلي حين كنت أسمع تلاوة القرآن في أندونيسيا.
هنا، سقط التوتر، وطفحت الوجوه بالابتسامات قبل أن يستأنف أوباما حديثه فيقول إنه كثيراً ما التقى لبنانيين خلال حملاته الانتخابية وسمع منهم كما من الديبلوماسيين الأميركيين الذين خدموا في بيروت، وأبرزهم جيفري فيلتمان كلاماً مهماً عن لبنان الجميل بطبيعته وعن حيوية أهله وشغفهم بالتجربة الأميركية، وأنشطتهم المتعددة وانتشارهم في العالم بدوله المعروفة وأنحائه التائهة بين المحيطات، والتي تنفع مبيّضي الأموال من أبطال الصفقات المذهّبة.
وأفاد نائب رئيس الحكومة المستقيلة والباقية سمير مقبل من الفرصة المتاحة للحديث عن إنجازات المقاولين اللبنانيين في الجزيرة والخليج وأنحاء أخرى من العالم، وعن إسهامهم في نهضة بلادهم معمارياً حتى صارت حديثة تبهر بجمالها أهلها قبل السياح.
قال الرئيس الأميركي: إن لبنان قد يصلح قدوة لمنطقته. لكن مشكلته تكمن في تمادي النفوذ الإيراني فيه… هل تعرف، السيد الرئيس، عن هؤلاء الفرس الذين يوصفون بالدهاة، والذين اقتحموا المشرق جميعاً بإسلامهم المختلف عن الدين الذي بشّر به النبي محمد، كما يقال؟! وهل تعرفون الرئيس الجديد روحاني؟
رد الرئيس سليمان قائلاً: عليك بوزير خارجيتي، الأخ عدنان منصور، الذي يعرف إيران والإيرانيين معرفة وثيقة.
قال أوباما بشيء من التلهف: وهل تعرف، السيد الوزير، الرئيس الإيراني الجديد الشيخ روحاني؟
هز الوزير منصور رأسه، مرات عدة وهو يقول: أعرفه جيداً، كما أعرف سائر المسؤولين، وأساساً آية الله خامنئي.
استدرك أوباما فقال: لو أن وقتي يتسع لجلست إليك أسمع عن هؤلاء جميعاً. وقد نصحني بعض أركان إدارتي بأن التقي الرئيس روحاني، وكان «جيف» واحداً منهم. لكن الوقت لا يسعفني، ولا بد من دراسة هذا اللقاء حتى لا يتحول إلى منطلق لحملة شديدة ضد الإدارة… في أي حال لنعد إلى لبنان، سيهتم معاوني باحتياجاتكم، وبالتحديد تلك التي تساعد على تحجيم الدور الإيراني ومحاصرته، وكذلك على وقف التأثير السوري الذي ربما كان يرهبكم حتى وهو محاصر دولياً.
ولقد حاول الرئيس سليمان أن يوضح الصورة، فقال أوباما وهو يهز رأسه: أفهم، أفهم تأثير الجغرافيا والتاريخ المشترك والتداخل السكاني، وكذلك محاولات إيران التغلغل عن طريق الدين… أود أن أسأل هنا، هل الشيعة مسلمون؟!
وقبل أن يجيب أحد على السؤال استطرد أوباما يقول: قرأت تقارير عديدة عن قوة «حزب الله» الذي نصنّفه نحن هنا منظمة إرهابية.. وأنا أحب أن أسمع منكم كيف يمكننا مساعدتكم؟!
قال الجميع بصوت واحد: بتعزيز قدرات الجيش وقوى الأمن الداخلي لكي تستطيع الدولة فرض وجودها. نريد ما هو أفعل من الدبابات العتيقة وسيارات الجيب والرشاشات والملابس المرقطة؟
قال أوباما: لقد اعتمدت الإدارة هنا ثمانية ملايين دولار لدعم الجيش.. أليس هذا مبلغاً معقولاً؟!
بلع الجميع ريقهم، وكان الرئيس سليمان أول من استفاق من تأثير الصدمة، فقال: السيد الرئيس.. لقد كنت، قبل الرئاسة، قائداً للجيش، وأعرف بخبرتي أن هذا المبلغ لا يشكل أكثر من نفقات يوم واحد من عمل هذه المؤسسة الوطنية الخطيرة بدورها في تأمين لبنان في وجه المخاطر متعددة المصدر، في الداخل ومن الخارج.
نبر الرئيس الأميركي بشيء من الحدة: وأين السعودية؟ أين الإمارات؟ أين الكويت؟ أين قطر التي حاولت أن تلعب دوراً إمبراطورياً؟! إن حكام هذه الدول ينفقون مليارات على التسلح، ومليارات أخرى على جيوش دول بعيدة، ومليارات أكثر على تنظيمات المجاهدين الإسلاميين، فضلاً عن نفقات القصور في الداخل والخارج و«الشرهات» للعملاء ورجال الخدمات الخاصة… وهم يتحدثون أمامنا عن حبهم للبنان وعن كفاءة اللبنانيين. كذلك فهم يزعمون أنهم حاصروا النفوذ الإيراني في لبنان وهم يقاتلونه الآن لإخراجه من سوريا وبعدها العراق، وهم كادوا يخرجونه من البحرين… سأطلب إليهم نجدتكم!
قال الرئيس سليمان: لقد طلبت زيارة السعودية، وأبلغت أن موعدي مع الملك عبد الله قريب إن أسعفته صحته.
قال أوباما: سنزكي طلبك. عليهم أن يتحمّلوا مسؤولية دورهم. للمناسبة لقد سمعت عن إعلان بعبدا الذي أصدرتموه من القصر الجمهوري، فهل تشرحون لي دلالاته ومراميه؟
انفرجت أسارير الرئيس سليمان، والتفت إلى وجوه الحاضرين فوجد الابتسامات تغطيها جميعاً، فاعتدل في مجلسه قبل أن يباشر الشرح بلهجة المدرس.
بعد انتهاء الشرح، استدرك سليمان فقال: لقد أبلغني وزير الخارجية الروسي لافروف أن إعلان بعبدا يصلح نموذجاً لحل الأزمات في العديد من الدول.
قال أوباما قبل أن يقف إنهاءً للقاء الموسّع تمهيداً للانفراد بالرئيس سليمان:
ـ فهمت أن مؤسسات الدولة عندكم غير قادرة على إدارة المساعدات الدولية… وأنها بمجملها معطلة، فلا حكومة، والمجلس النيابي لا يكتمل نصابه ولا تشريع. لذلك أرى من الأفضل ترك الأمر للبنك الدولي، فهو صاحب خبرة، ويطمئن إلى مؤسسات المجتمع المدني، فاتركوا له أمر النازحين السوريين.
صافح أوباما أعضاء الوفد جميعاً قبل أن يخرجوا ليخلو الجو للقاء الحميم، في حين تغامز الخارجون وقال قائلهم: ما تبقى من الوقت لحديث التمديد.
في صالونات «نيويورك بالاس» كان موظفو القصر وأفراد العائلة ومدير «المرئية» التي لا تُرى، يستقبلون بعضاً من ركاب رحلة العودة وقد زادوا عن رحلة الذهاب 18 نفراً، وكانت السعادة ترفرف على الجميع من قبل أن يعرفوا نتائج حوار الخلوة،
لقد سجل الرئيس سليمان نقطة مهمة في سياق رحلته الجديدة نحو الصمود في موقعه الممتاز.

السابق
ليالي الشمال الحزينة
التالي
جعجع: لن نسكت عن تأخير تأليف الحكومة