الجمهورية : واشنطن وطهران تلتقيان على تطبيع ما زال مبكراً… وتأليف الحكومة يستمرّ في المراوحة

كتبت “الجمهورية ” تقول : بقي العالم عموما ولبنان خصوصا يرصد التحولات الكبيرة التي لفحت اجتماعات نيويورك وامتدت انفراجا على اكبر واخطر ملفين يثقلان منطقة الشرق الأوسط: إيران النووية وسوريا الكيماوية. وإذا كان أيلول قد بدأ بمشهد سوداوي قاتم فإن طرفه جاء بالحلول مبلولاً، وكأن مأساة الساحة الإقليمية كانت متوقفة على موجة “كامستري” سرت في خط الهاتف بين الرئيسين الأميركي باراك اوباما والإيراني حسن روحاني فبدأت التوقعات بقرب انفراجات بالجملة. وبدا لبنان وحده منحوساً وكُتب له أن يبقى السواد على هضابه يتنقّل بين مناطقه المتناحرة عبر خروق أمنية لا توقيت لها، او عبر كوارث إنسانية تودي بحياة أبنائه ولو جاءت من آخر أصقاع الأرض.
في ظل انشغال كل دولة عالمية بترتيب أوراقها تماشيا مع الصفقات الجديدة وبحثا عن دور لها فيها، فوجىء لبنان الرسمي بإرجاء زيارة رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان الى السعودية قبل 24 ساعة من حصولها، علماً انه سيسافر بعد غد الأربعاء الى الإمارات العربية المتحدة ليعرض مع المسؤولين لأوضاع اللبنانيين هناك، ويؤكد لهم دورهم البنّاء في الإمارات مشدداً على ضرورة احتضانهم وحمايتهم وعدم تحميلهم مسؤولية عمل أفراد او فئات حزبية معينة.
ومعلوم انها ليست المرة الاولى التي تُرجأ فيها زيارة رئيس الجمهورية الى المملكة في الأشهر الأخيرة الماضية، لكن هذه المرة كان الإرجاء علنياً. وقد خلق إمتعاضاً رسمياً لأنه يعقب موجة تأييد دولية وأممية عارمة للبنان عموماً ولسليمان شخصياً. وقد برز ذلك من خلال برنامج زيارته الأسبوع الماضي لنيويورك، وهذا الاستياء دفع رئاسة الجمهورية الى ان تعلن من جانب واحد عن إرجاء هذه الزيارة.

وعلمت”الجمهورية” أن أسباب عدة تقف وراء هذا الإرجاء وأبرزها:
أولاً: عدم ارتياح السعودية الى التقارب الحاصل بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران من دون الوقوف على خاطرها وهي الحليف الإستراتيجي لواشنطن في المنطقة.
ثانياً: ان المملكة لا تفضل الآن أن تكون الأولوية في الحلول العربية للملف اللبناني وترى ان هذه الاولوية ينبغي ان تكون للملف السوري.
ثالثاً: ان المملكة ترى ان المعطيات لم تنضج بعد لتأليف حكومة لبنانية جامعة في ضوء التطورات الأخيرة التي شهدتها جنيف ونيويورك.
وعلم أن المسؤولين السعوديين لا يحبذون الآن اتخاذ موقف من الموضوع اللبناني، خصوصاً على الصعيد الحكومي قبل اجتماعهم بالرئيس الإيراني الشيخ حسن روحاني الذي سيزور المملكة خلال الأسبوع المقبل.
رابعاً: تحفظ المملكة عن التنسيق القائم بين سليمان ورئيس “جبهة النضال الوطني” النائب وليد جنبلاط من جهة، وبين جنبلاط و”حزب الله” من جهة أخرى.
خامساً: حرص المملكة على معرفة تطوّر الوضع الأمني على الحدود اللبنانية ـ السورية شرقاً، بعد تزايد الأنباء عن احتمال حصول معارك على هذه الحدود.
وإزاء هذه المعطيات، فضّلت السعودية، الحريصة على إنجاح زيارة سليمان، أن تؤجل هذه الزيارة الى ظروف أخرى تضمن نجاحها، سواء على صعيد العلاقات الثنائية، أو على صعيد حلحلة الملفات اللبنانية.
وكان المكتب الاعلامي لرئاسة الجمهورية اصدر أمس البيان الآتي: “تم تأجيل زيارة فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان المقررة الثلثاء المقبل (غداً) الى المملكة العربية السعودية الى موعد لاحق يعلن في حينه”.
وفيما عزا البعض ارجاء الزيارة الى “الوضع الصحي” لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز، أفادت وكالة الأنباء السعودية الرسمية (واس) امس ان الملك استقبل في قصر السلام في جدة بعد ظهر أمس عددا من الأمراء والمفتي العام للمملكة العربية السعودية وعلماء ومشايخ ووزراء ومسؤولين كباراً مدنيين وعسكريين وجموعاً من المواطنين الذين قدموا للسلام عليه .
سلام في بعبدا
وفي ضوء هذا التطور، بدا أن مسألة تأليف الحكومة ستستمر في المراوحة، فيما تحدث البعض عن إحتمال إقدام رئيس الجمهورية والرئيس المكلف تمام سلام على اتخاذ قرار بتأليف الحكومة غير عابئين بكل المطبات، أو إعادة ملف التأليف الى ثلاجة الإنتظار.
وعلم ان سلام سيزور سليمان قبل ظهر اليوم للبحث معه في سلسلة الإتصالات الجارية لتأليف الحكومة الجديدة وما يعوق ولادتها، إضافة الى الظروف التي حكمت سقوط صيغ التشكيلات الوزارية التي تهاوت الواحدة تلو الأخرى.
وفي هذا الاطار أكد حزب الله” بلسان رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد “ان لا إمكان لتأليف حكومة في هذا الظرف من دون أن تكون حكومة وحدة وطنية جامعة تتمثل فيها جميع القوى السياسية بأحجامها التمثيلية في المجلس النيابي”، مشيراً إلى أن “من يتخلف عن هذا الأمر يعبّر في الحقيقة عن إرادته في أنه لا يريد تأليف حكومة، خصوصاً في حال أنها ستكون المعنية بإجراء الإنتخابات النيابية ومواكبة الإستحقاق الرئاسي المقبل”.

ميقاتي الى واشنطن
الى ذلك غادر رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بيروت امس متوجها الى واشنطن حيث من المقرر ان يجري فحوصا طبية روتينية كان قد أرجاها مراراً الى اليوم. وقالت مصادر ان عائلته ستوافيه من لندن الى الولايات المتحدة لتكون الى جانبه في عطلة عائلية تدوم اربعة ايام.

بعلبك: جمر تحت الرماد
الى ذلك، خيم الهدوء الحذر على مدينة بعلبك التي شيعت قتيلي “حزب الله”عصر امس، في ظل إنتشار مسلح للحزب وسيارات رباعية الدفع رافقت نقل الجثمانين الى مركز الخميني وأطلقت رشقات نارية غزيرة في المنطقة التي قتلا فيها ما ادى الى استنفار معاكس عالجته وحدات الجيش بإنتشار كثيف.
وتستعدّ المدينة لتشييع الجندي في الجيش محمد علي صلح والذي استشهد عصر امس متأثرا بجروحه بعدما أصيب برصاصة قنص على شرفة منزله.
وعلى رغم إعلان وزير الداخلية مروان شربل ان “حزب الله” أخلى حواجزه لوحدات الجيش، أُفيد ان الحزب سلم الحاجز الذي شهد الإشكال الأمني مع آل الشياح وحاجزين آخرين للواء السادس إلا انه إحتفط بعدد من الحواجز في مناطق تعتبر من بيئته الحاضنة.
وقالت مصادر أمنية لـ” الجمهورية” ان الحزب ليس في وارد إخلاء المدينة لأسباب أبرزها ارتباط أمن المدينة ليس بما هو حاصل فيها من إستهداف بل بالفترة المقبلة التي يستعد الحزب فيها لمواجهة تداعيات محتملة لمعارك شرسة على الجانب السوري من الحدود، وتحديداً في تخوم المنطقة الشرقية من عرسال الى بعلبك والهرمل، وهو أمر قد ينعكس على أمن المنطقة بكاملها إذا صحّت التهديدات بالمعركة الحاسمة التي يستعد لها النظام السوري ضد المعارضة السورية المسلحة في تلك المنطقة وخصوصا في منطقتي الزبداني والقلمون”.

الرفاعي
وقال عضو كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب كامل الرفاعي لـ”الجمهورية” إن الحادث كان بداية فرديا وتأخرت معالجته جديا، فأنتج ما حصل وتحوّل للأسف الشديد عائلياً وعشائرياً ومذهبياً وسياسياً، وتدخّل كل من لديه عداوة شخصية مع طرف معين أو مع شخص معين، فدبّت الفوضى عند الجميع وحصل إطلاق النار ما أدى الى مقتل هؤلاء الأبرياء، وعاشت بعلبك جو الفتنة بكل معنى الكلمة”.
وحمّل الرفاعي المسؤولية “للخطاب التحريضي المذهبي الذي نسمعه من بعض السياسيين” وقال:” هنالك نفوس مشحونة وشباب غير واع ولغة العقل كانت مرفوضة كليا، والكلام للشارع وللشباب الذين لا يرون أبعد من أنوفهم ، ونأمل ان نكون قد تجاوزنا الفتنة العمياء بحكمة العقلاء وبوجود الجيش اللبناني الذي قام بمبادرة مشكورا ولكنها ظلت ناقصة، إذ لم ينتشر كما يجب داخل المدينة بل في مكانين او ثلاثة أمكنة، ونأمل ان يكون انتشاره شاملا”. وقال:”اتحدث كنائب عن المدينة وأصابني ما اصاب الأهالي وابن عمي في موت سريري هو تاجر خضار ولا ذنب له، واهالي بعلبك بشرائحهم الإجتماعية يطالبون بأن يتسلم الجيش الأمن في المدينة. وتمنيت امس (أمس الأول) على الرئيس نجيب ميقاتي، فتجاوب معنا فأسعفونا بقوة أمنية ولربما سيرفدونها بقوة أخرى، ونتمنى ذلك.
وطالب الرفاعي بالقبض على المتسببين بالحادث من كلا الفريقين “ما يسهّل علينا الدخول في إجراء المصالحات”. ولم يستبعد وجود “طابور خامس، إذ كلما حاولنا إطفاء النيران، كان هناك فريق لا نعلم من هو، يطلق النار على هذا الحي أو ذاك في محاولة لإيقاع الفتنة بين أحياء المدينة وهي احياء متداخلة ولم يعد هناك حي سني وحي شيعي، كذلك هناك مصاهرة متداخلة لذلك هذه الأمور تخفف ان شاء الله من غلواء الطائفية والمذهبية.

الأزمة السورية
وعلى الصعيد السوري أعلن الرئيس بشار الأسد أمس، أنّ بلاده ستلتزم القرار الصادر عن مجلس الأمن الدولي في شأن نزع أسلحتها الكيماوية، مُعتبراً أنّ التقارب الأميركي – الإيراني سيترك “نتائج إيجابية” على الأزمة السورية، مستبعداً أي دور لمعظم الدول الأوروبية في مؤتمر “جنيف – 2” المُزمَع عقده في منتصف تشرين الثاني المُقبل لحَلّ الأزمة السوريّة.
وبينما تستمرّ المعارك في عدد من المناطق السوريَّة، أعلنت مُنظّمة حظر السلاح الكيماوي أنّ مجموعة من مُفتّشيها اتّجهت أمس إلى سوريا على أن تصل اليوم إلى دمشق. وأكدت أنّ المجموعة تتألّف من مُهندسين وعلماء كيمياء وخُبراء في الطبّ الشرعي. وبعدَ 30 يوماً من عمليّات التفتيش، يجب أن تُقدِّم المجموعة تقريرها عن وضع السلاح الكيماوي في سوريا.
تزامناً، يبدأ مجلس الأمن اليوم مُناقشة مشروع إعلان يُطالب النظام السوري بتسهيل وصول وكالات الإغاثة الإنسانيّة التابعة للأمم المُتّحدة الى السكّان المدنيّين. كذلك، يُطالب بالسماح للقوافل التي تنقل مُساعدات بعبور الحدود السوريّة من الدول المُجاورة. وأفاد دبلوماسيّون أنّ روسيا قد تُعارض هذا الأمر لأنّه يعني إدخال المُساعدات مُباشرة الى مناطق خاضعة للمعارضة المسلحة. وقدّمت لوكسمبورغ وأوستراليا التي ترأس مجلس الأمن حتّى نهاية أيلول الجاري، مشروع الإعلان الرئاسي الذي يحتاج إلى إجماع الأعضاء الـ15 في مجلس الأمن لإصداره.
في غضون ذلك، وبعدَ ساعات على الإتّصال بين الرئيسَين الأميركي باراك أوباما والإيراني حسن روحاني، والأجواء الإيجابيَّة التي رافقته، أكّدَ جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي “شين بيت” أمس، إعتقالَ “جاسوس” إيراني يحمل معه صوراً للسفارة الأميركيَّة في تلّ أبيب.

من جهة ثانية، قُتل ستّة عناصر أمن أكراد في تفجيرات إنتحاريَّة أمس، استهدفت مقرّاً أمنيّاً رئيساً وسط مدينة أربيل شمال العراق، في هجوم نادر في الإقليم الكردي المُستقرّ عادة، فيما لم تستبعد الحكومة العراقيّة أن يكون مُرتبطاً بالأحداث السوريّة. توازياً، قُتل 27 شخصاً وأُصيب 35 بجروح في هجوم انتحاري بحزام ناسف استهدف مجلسَ عزاء شيعيّاً قرب بغداد، فيما قتل 14 شخصاً في هجمات متفرقة أخرى.

واشنطن وطهران
وعلى صعيد العلاقات الاميركية ـ الايرانية أعلنت مساعدة الرئيس الاميركي للأمن القومي سوزان رايس أن من السابق لأوانه التنبؤ بتطوير الاتصالات مع ايران، حيث إتخذت الخطوات الاولى فقط. وأشارت الى أن تطبيع العلاقات لا يزال أمرا بعيد المنال. وقالت إنها لا تريد استباق الاحداث، مذكرة بأن الرئيسين الاميركي والايراني تحدثا هاتفيا للمرة الاولى منذ 35 عاما، وكان هناك انقطاع مماثل في اتصالات وزارتي الخارجية للبلدين.
وأشارت الى أن المفاوضات السداسية مع القيادة الايرانية الجديدة لم تبدأ في جوهر الأمر. وأضافت: “لذلك فإن تطبيع العلاقات الاميركية الايرانية لا يزال أمرا بعيد المنال”.
ومن جهته أعلن نائب وزير الخارجية الايراني عباس عراقجي أن اتصالا هاتفيا واحدا بين روحاني واوباما لن يؤدي فورا الى تخفيف التوتر الموجود منذ أمد طويل في العلاقات بين البلدين. وقال: “نحن لا نزال في بداية طريق طويل. زد على ذلك أن لدينا شكوكنا، وكما قال المرشد (آية الله علي خامنئي) لا يجب ابداء تفاؤل بشأن هذه المحادثات، ولكن هذا هو طريق قال المرشد أنه لا يعارضه”. وتعليقا على طلب البيت الأبيض عقد لقاء بين الرئيسين، قال عراقجي إن روحاني رفض هذا الطلب لأن تنظيم مثل هذا اللقاء بعد هذا التاريخ الطويل للعلاقات المتوترة كان مرتبطا بالعديد من التعقيدات. وأضاف أن فكرة اجراء الاتصال الهاتفي ظهرت خلال المشاورات بين الممثلين الايرانيين والمسؤولين الامميين والاميركان بعد أن رفض الجانب الايراني الطلب الاميركي.
وأشار عراقجي الى “أن ايران لم تصدق الولايات المتحدة تماماً ابدا، ولن تصدقها تماما في المستقبل”. وأضاف أن “المفاوضات ستكون أكثر جدية إذا ابدى الاميركان موقفا مناسبا في المستقبل، وإذا ما أدى هذا التغيير في اللهجة واللغة الى تغيير في السياسات والاعمال”.
وعلى الصعيد النووي، قال عراقجي: “كنا نصر على مدار 10 سنوات على أن وقف التخصيب أمر مستحيل”. وأضاف أن “الاطار والمستوى وحجم وشكل ومكان أعمال التخصيب قد تكون موضوعا للنقاش”. وأكد أن حضور وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف والمفوضة العليا للسياسة الخارجية والأمن في الاتحاد الاوروبي كاثرين آشتون اثناء المفاوضات بين ايران والسداسية أمر لا بد منه، إلا أن المستوى الديبلوماسي للوفدين المشاركين في هذه المفاوضات لم يحدد بعد.

السابق
الأخبار : السعودية ترجئ زيارة سليمان
التالي
البناء : الجيش يُعيد الهدوء إلى بعلبك وخطّة طرابلس تُنجز هذا الأسبوع الحكومة في مهبّ الرهانات فهل يحسم لقاء سليمان ـ سلام التشكيلة؟