وقائع عجيبة في الإضراب النيابي

احد شوارع بيروت

نجح النواب المضربون عن ممارسة مسؤولياتهم في تمثيل الشعب بتسجيل سابقة جديدة في الحياة النيابية هي الأولى منذ سنة 1926 وحتى اليوم. ولكن «غُنم» هذه السابقة، التي أدت إلى تعطيل صلاحية السلطة التشريعية بالتشريع لثلاثة أشهر، تمت الدعوة فيها لخمس جلسات متتالية لا تقاس بحجم «الغُرم» الذي سجلوه تجاه مصلحة الوطن والدولة والناس.

وما يلفت في هذا الإضراب توقيته الذي بدأ بعد مشاركة معظم المضربين في تأييد اقتراح التمديد لولايتهم، فهل كان تأييدهم مبنياً على ضمان استيفاء تعويضاتهم بعد انتهاء ولايتهم الأساسية لحوالي سنة ونصف السنة يفلتون فيها من حكم الناس عليهم، أم لأن الواقع الوطني في كل المجالات كان يقضي بتأييدهم واستدراكاً لحصول فراغ في السلطة التشريعية، لينضم مجلس النواب إلى بقية المؤسسات المعطلة؟ فإذا كانوا قد مددوا خدمة لمصلحة مالية وليس خوفاً من رهبة الفراغ فربما كان الفراغ أفضل من ان يسجل التاريخ النيابي على نفسه مثل ما هو حاصل حتى اليوم، باعتبار ان تعطيل الصلاحيات قسراً يكون خارجاً عن الإرادة أما تعطيلها إرادياً وعن سابق تصور وتصميم وعناد فلا يمكن وصفه إلا بالفضيحة.

ولم يكتف المضربون بتعطيل عملية التشريع عندما برروا إضرابهم بأسباب أقل ما يقال فيها إنها استهزأت بفهم الناس وإدراكهم، عندما قالوا بإصرارهم على تعطيل جلسات المجلس اعتراضاً على جدول الأعمال. وهذا الجدول أقرته هيئة مكتب المجلس وفق صلاحياتها التي ينص عليها النظام الداخلي، ولكن ما ان قرر رئيس المجلس نبيه بري موعد الجلسة، ووفق صلاحياته، ووزع جدول الأعمال التي أقرته الهيئة التي تتشكل من أكثرية ساحقة (5 من 7) يمثلون الكتل المعترضة على الجدول، كانت المفاجأة تبرير المقاطعة بالاعتراض على الجدول الذي هم أقروه!. ويبدو ان هذا الفعل يشير إلى سياسة واضحة، فكما مددوا وبعد يوم أو يومين من نفاذ قانون تمديد ولايتهم عطلوا صلاحيات المجلس التشريعية عمدوا إلى وضع الجدول ليعترضوا عليه، ربما لأنه ليس من أي ذريعة أخرى في متناولهم!

وذريعة جدول الأعمال لا تتوقف عند هذا الحد، فهناك من يشارك في التعطيل لأنه لم يستشر بما هو وارد في الجدول، أو لأن هناك اقتراحات لا يوافق عليها أو يقتضي تعديلها. فهل ان وضع اقتراح أو مشروع على جدول الأعمال يعني إقراره؟ وفي الجلسة التشريعية السابقة كان على جدول الأعمال أكثر من 30 مشروعاً واقتراح قانون ولم يقر منها إلا ما لا يزيد عن أصابع اليد الواحدة، ومعظمها كان إقراره معدلاً، فهل يريد هؤلاء ان يصبح دور المجلس في التشريع مجرد البصم على بياض وما يقبل به جميع النواب مسبقاً قبل مناقشته؟! هل هذا السبيل لبناء دولة المؤسسات والقانون المنشودة يا ترى؟

إن هذه الوقائع كشفت اهتراء ما هو مهترئ أصلاً في الدولة، وكشفت القصور الفادح في فهم ماذا يعني التمثيل النيابي والنظام الديموقراطي، والجهل الفادح في القدرة على التمييز بين المصلحة الوطنية والمصالح الشخصية. ولعل مواجهة هذا الواقع هي أولى الموجبات، ومن حسنات الإضراب النيابي هذا انه وضع ما تبقى ممن يحملون المسؤوليات أمام واجبهم في مقاومة هذا الاهتراء، ولعل الشعب اللبناني هو أول من يتحمل مثل هذه المسؤولية كونه هو المسؤول المباشر عن اختيار من يمثله في مجلس النواب، خصوصاً أن جدول أعمال الجلسة الذي يتضمن 45 مشروعاً واقتراح قانون فيه الكثير مما يهم الناس، كالكشف المبكر على السرطان والبروستات مجاناً، وتعديل قانون الإيجارات واكتساب غير اللبنانيين الحقوق العينية في لبنان وتنظيم الاتصالات ـ الكهرباء ـ البترول والطيران المدني والتنظيم المدني وتبديل محل الإقامة وإنشاء محكمة خاصة للجرائم المالية وتعديل قانون حماية المستهلك ومنح الحكومة حق التشريع بالحقل الجمركي، وغير ذلك، فهل أصبح دور النائب المضرب تعطيل درس ومناقشة وإقرار مثل هذه الاقتراحات والمشاريع؟ ربما كان على الناس ان تجيب.

لقد أصبح الإضراب النيابي مكشوف الغايات التي ليس من المستحسن سردها، لذلك فإما على من يمكن ان يسائل ان يقول كلمته، أو ان يقتدي الآخرون بعمال الكهرباء وجباة الإكراء والمعلمين الذين أوقفوا إضرابهم عن العمل عندما لمسوا ان الإضراب يضر بمصالح الناس والوطن. أما إذا كان هناك من يعتقد بأسباب دستورية تحول دون ان يعقد المجلس جلسات تشريعية في ظل حكومة تصريف الأعمال، فلها قراءة أخرى نتوقف عندها لاحقاً.

السابق
اختراق يفضي إلى فخّين؟
التالي
ثلاثة قتلى وخمسة جرحى في اشتباك بين حزب الله وآل الشياح في سوق الجوهري ببعلبك