جنرال الحرب.. يتغيَّر أو يُغيَّر

الحرس الثوري

الجنرال قاسم سليماني، ليس جنرالاً عادياً. إنه جنرال استثنائي في ايران وحتى في الشرق الأوسط. ولو عاش وتمرس عسكرياً وأصبح قائداً، في قلب النار. اسمه معروف جداً في مراكز القرار من طهران الى واشنطن، مروراً بكل عواصم الشرق الأوسط. لكنه حتى فترة قصيرة، كان المجهول الكبير في ايران. يسمع به الايرانيون لكنهم لا يسمعونه ولا يرونه. “منجزاته” كانت تتكلم عنه. أعداؤه قبل جنوده والمتعاونين معه يقدرونه. جون ماغواير من المخابرات المركزية قال عنه “سليماني هو أكثر فرد ناشط في الشرق الأوسط، وفي الوقت نفسه لم يسمع به أحد”.

عندما تسلم قيادة “فيلق القدس” عام 1988، كان فيلقاً من فيالق عسكرية ايرانية عديدة. في وقت قصير أصبح “تنظيماً ذا باع طويل له فروعه المتخصصة بالاستخبارات والتمويل والسياسة والتخريب والعلاقات الخاصة وله جامعته الخاصة للكوادر في قم”.

يمكن الحديث طويلاً عن سليماني، بعض ما يقال حقيقي وواقعي وبعضه من نسج نتائج عمليات عسكرية لا يعرف عن دقائقها الكثير. أهمية سليماني، أنه “جنرال يقود الحرب ولكن أيضاً المفاوضات شخصياً. حارب الأميركيين وفاوضهم. الرسالة النصية التي أرسلها الى الجنرال بترايوس رئيس الأركان الأميركي السابق تختصر موقعه وفي الوقت نفسه ثقته بنفسه، قال له فيها: “يجب أن تعلم أني أنا قاسم سليماني من يدير سياسة ايران في العراق ولبنان وقطاع غزة وأفغانستان”.

لم يبالغ سليماني في هذا، فهو فعلاً كذلك. وهو الى جانب هذا الموقع الاستثنائي أصبح في طهران وهو الذي لم يكمل دراسته الثانوية “صانع الملوك”. الجميع يقدرونه ويخافونه. كل من وقف في طريقه، ندم على ذلك. ما دعم موقعه وموقفه أن الولي الفقيه آية الله علي خامنئي “منحه حرية مطلقة في تطبيق رؤيته”. هذه الحرية هي التي صنعت موقعه وجعلته الى جانب كفاءاته جنرالاً استثنائياً.

لكن مثل كل جنرال، يعرف انه في الحرب توجد معارك رابحة وأخرى خاسرة. طوال الفترة التي حقق فيها سليماني الفوز والنصر، بقي “مجهولاً”. كان يتحرك خلف الستار ويشارك في صنع القرار بصمت. فجأة خرج من المجهول المعلوم الى الواجهة، وأصبح وجهاً معروفاً، وصوتاً مسموعاً في الاعلام. الانتخابات الرئاسية في 14 حزيران، شكلت مناسبة مهمة ليسمع الايرانيون رأيه. الأرجح أنه كجنرال ذهب بعيداً، فقد أيد علناً رفيقه منذ بدايات تشكيل “الحرس الثوري”، الجنرال محمد قاليباف لرئاسة الجمهورية. الشعب الايراني الذي من الواضح، ضد “عسكرة” النظام لم يعطِ قاليباف أكثر من 11 بالمئة من أصواته مما يشكل ضربة قاسية للجنرالين خصوصاً لسليماني.

انتخاب حسن روحاني رئيساً للجمهورية في الدورة الأولى “أيقظ” كل المقاتلين الايديولوجيين من سياسيين وعسكريين متشددين، ووضعهم في مواجهة ارادة شعبية واسعة وشاملة وجامعة لشرائح تضم الطبقة المتوسطة والطبقات الفقيرة المتأثرة كلها بالأزمة الاقتصادية سابقاً أنها تريد التغيير داخلياً وخارجياً. لم يعد الايرانيون مقتنعين مثل الشعوب في الاتحاد السوفياتي الصعود الى الفضاء وفي الوقت نفسه الغرق في مستنقع الأزمات الاقتصادية والاجتماعية داخلياً. المرشد آية الله علي خامنئي وجنرالاته والقوى السياسية من المتشددين، يعرفون الآن أكثر من غيرهم أن التغيير العميق ضروري وانه من الأفضل “السباحة” فيه بدلاً من بناء سد في وجهه.

عندما منح الولي الفقيه، الجنرال سليماني كما منح جنرالات صناعة الصواريخ وباقي الأسلحة، الدعم بكل وجوهه خصوصاً المالي، فلأن لديه رؤية ومشروعاً، بأن تصبح ايران قوة اقليمية واسعة النفوذ وشريكة أساسية للولايات المتحدة وروسيا في منطقة الشرق الأوسط الكبير. هذا المشروع ليس “خامنئياً”. كان أيضاً مشروع الشاه، لكنه كان يعمل على وضعه في خدمة الأميركيين وبالتعاون معهم لذلك يقال انه كان يريد جعل ايران “شرطياً أميركياً” في المنطقة. ويبدو أن لهذا المشروع جذوره التاريخية منذ بداية عهد الصفويين. لذلك يمكن القول، ان هذا المشروع “قومي”، لا يمكن لأي ايراني حتى ولو كان معارضاً للنظام معارضته.

الجنرال قاسم سليماني و”فيلق القدس” وحزب الله “الوليد المبارك للثورة الاسلامية” وحتى “حماس” وبشار الأسد، كانوا ضرورة أساسية ومركزية لتنفيذ هذا المشروع. العداء للولايات المتحدة الأميركية ومعها الغرب، فرض “الحرب السرية” و”الحرب الناعمة”. هذه القوى، ساهمت من أفغانستان والعراق الى لبنان وسوريا في تحقيق حضور ايراني ولو بالحديد والنار اقليمياً ودولياً.

الآن، تبدو الجمهورية الاسلامية في ايران والولايات المتحدة الأميركية، على أبواب مرحلة جديدة مختلفة كلياً. من الضروري القول، إن الأميركيين والايرانيين يعرفون بعضهم معرفة عميقة وجدية. سليماني نفسه قاد الحرب وفاوض في أفغانستان والعراق. لكن على الطرفين بناء جسور الثقة بينهما للعبور الى ساحة التفاهم، لن يتحقق ذلك بين ليلة وضحاها لكن المسؤولين في واشنطن وطهران يعرفون ويدركون أن لكل مرحلة رجالها وخطابها.

الجنرال قاسم سليماني، يحارب في سوريا لأنها “خط أمامي في المشروع الايراني” ويساهم في تقوية موقع ايران في المفاوضات. لكن الجنرال سليماني الذي وصفه سياسي عراقي كبير عمل معه بأنه “داهية واستراتيجي وذكي ومخيف”، هو في الوقت “براغماتي” كما وصفه خصمه ومفاوضه السفير الأميركي السابق في العراق رايان كروكر.

هذه الصفات تؤهله للتعامل مع التغيير والمتغيرات. ولأنه “قومي” فإنه يعرف جيداً أن المهم استمرار مشروع تحويل ايران الى قوة اقليمية شريكة في منطقة الشرق الاوسط بكل الوسائل.

إذا قيل أن يتغير الجنرال سليماني بما يتوافق مع التغيير، وكل من تعاون وحارب معه المشروع يبقى ويستمر. وسائل التنفيذ وآلياته تتغير، وليس بالضرورة في الشكل والتوجه وإنما في السلاح والممارسة، أو يرفض فيخرج.

الاعتدال يكون مساراً ملزماً للجميع أو لا يكون.

 

السابق
الشيخ حسام العيلاني: الإشكال الذي وقع في بعلبك هو عمل مستنكر ومدان ومرفوض
التالي
الجيش: إجراءات أمنية مكثفة في بعلبك وتوقيف عدد من المشتبه بهم