عون يصدم المراهنين على وراثة تياره

يعلم الجنرال علم اليقين بالأحاديث التي تدور في الصالونات السياسية إنْ المتصلة بهذا التيار الحليف الذي يعتبر نفسه الأقدر على تمثيل تطلعات البيئة العونية، أو المتعلقة بذاك الحزب الخصم الذي يتمايز بغرض وراثة الشارع العوني، أو التحليلات التي تجزم بانتهاء الحالة العونية بعد رحيل مؤسّسها بعد عمر طويل. ويبدو أنّ عون الذي عوّد الجميع على المفاجآت السياسية قرّر استبعاد عنصر المفاجأة في كلّ ما يتّصل بمصير التيار ومستقبله.وعلى رغم أنّ الوراثة السياسية حقّ ديموقراطي، وأنّ الشعب وحده هو الحكم، إلّا أنّ الوراثة العائلية تبقى أسهل وأسلس من الوراثة في حزب أو تيار سياسي يضمّ مروحة واسعة من الكادرات الطامحة لتبوّؤ مواقع قيادية تؤهّلها تسلّم مسؤوليّات وطنية، علماً أنّ معظم الكوار تحوّلت مع الممارسة أكثر واقعية في نظرتها إلى بنية مؤسّساتها الحزبية التي تقاربها من زاويتين: الحاجة إلى مشروعية تاريخية تتجسّد باستمرارية بيولوجية تزاوج بين البعدين الشخصي والسياسي، والحقّ في الوصول إلى أيّ موقع باستثناء الرئاسة التي ما دونها كلّ شيء متاح.ولا يبدو أنّ البيوتات السياسية الحزبية إلى أفول في ظلّ عاملين أساسيين يعملان لمصلحتها: العجز عن إنشاء بدائل أكثر ديموقراطية قادرة على الاستمرارية والوصول إلى السلطة. والطموح المشروع للمواقع السلطوية، الأمر الذي ما زال متعذّراً خارج إطار التركيبة القائمة.ومن المعلوم أنّ انتخاب رئيس بديل للتيار لا يغيّر في واقع الأمور شيئاً، لأنّه في ظلّ وجوده الكلمة الفصل تبقى له، مع فارق أساسي أنّه يكون قد أعطى خلفه المشروعية العونية، وبالتالي عدا عن أنّ الوزير جبران باسيل هو صهره، يكون قد نجح الأخير في الوصول إلى رئاسة التيار ديموقراطياً وضمن استمراريته وإمساكه بمفاصل القرار.

فأن يكون باسيل رئيساً للتيار بحكم الأمر الواقع، أو رئيساً بآلية انتخابية وبتزكية من عون، مسألة مختلفة كلّياً، لأنّ وصوله ديموقراطياً يضفي عليه شرعيتين: الشرعية العونية والشرعية الانتخابية. ومن هنا حرص عون على الإشراف شخصياً على المرحلة الانتقالية بغية تدعيمها ومأسَستها، خصوصاً أنّ هناك شريحة عونية واسعة، وما ينطبق على هذه الشريحة ينسحب على غيرها في الأحزاب والتيارات الأخرى، تقترع لمن يقترع له عون، وتدعم من يدعمه عون على قاعدة: أليست هذه رغبة الجنرال؟

وفي ضوء ذلك سيضمن عون استمرارية التيار بعيداً عن الانقسامات التي لم يستطع تجنّبها شخصياً، وهي مسألة طبيعية، لأنه يصعب على أي حركة استيعاب كل التناقضات، وبالتالي استقالة هذا الشخص أو ذاك، هذه المجموعة أو تلك، لن تؤثر في وضعية التيار، فيما لن يفلح المستقيلون في تشكيل حالة وازنة، والتجربة الحالية أكبر دليل، وبالتالي على المراهنين بتقاسم تركة التيار العودة عن رهاناتهم والتفكير في أساليب أخرى تعزيزاً لوضعيتهم، أبرزها الخروج من التمايز إلى الوضوح السياسي.

وفي موازاة الوضعية العونية، برزت أخيراً حملة على تيمور وليد جنبلاط تحمّله مسؤولية ما يصيب “منظمة الشباب التقدمي” من تراجع في دورها وتخبّط في صفوفها بذريعة سعيه إلى وضع يده عليها في سياق إمساكه التدريجي بمفاصل اللعبة الحزبية، هذه المنظمة التي لعبت دوراً طليعياً في الفترة التي مهّدت لانتفاضة الاستقلال، حيث شكّلت الجسر الذي استخدمه النائب وليد جنبلاط للوصل مع القوى المناهضة للوجود السوري في لبنان من الأحزاب المسيحية إلى اليسار الديموقراطي، كما العبور بتموضعه إلى الضفة الأخرى.

وهذه الحملة على نجل جنبلاط تفتقد إلى الصدقية للأسباب الآتية:
أولاً، تيمور ليس في حاجة لتكوين فريق عمل محدد إلى جانبه أو استبعاد مجموعة معينة أو تثبيت مشروعية من باب “منظمة التقدمي”، لأن شرعيته مؤمّنة وراثياً لا حزبياً، فضلاً عن أنّ كل الحزب فريق عمله وملعبه.
ثانياً، من يكلّف تيمور بمهمات ديبلوماسية خارجية تتعلق بسياسات عليا، لن يدخله في تفاصيل حزبية داخلية.
ثالثاً، تحوّلت المنظمة في العقد الأخير إلى رافعة للمواقع الحزبية والنيابية والوزارية، الأمر الذي حوّلها إلى مكان للتواصل المباشر مع جنبلاط ومساحة جدية للتنافس الحزبي للعبور إلى المواقع المتقدمة.

السابق
غارات وهمية للطيران الاسرائيلي
التالي
توقيف مواطن في الدوير