حكومة “أمر واقع” أم حكومة “جامعة” شكلاً ؟

لا يستطيع الرئيس المكلف تمام سلام أن يعتبر الترشيح النيابي شبه الإجماعي لتكليفه تأليف الحكومة الجديدة قبل أكثر من خمسة أشهر بمثابة شيك على بياض يضع بموجبه التشكيلة الحكومية التي يرى وحده أنها تخدم لبنان. ذلك أنه يعرف أن نواب 8 آذار “صوّتوا” لتكليفه في قصر بعبدا ليس لأنه مثقف، وهو كذلك، وليس لأنه غير مشاكس وهو كذلك، وليس لأنه بعيد من 14 آذار وحليفه السعودي وهو ليس كذلك، بل لأنه أراد بعد صدمة إستقالة حليفه الرئيس نجيب ميقاتي التي وضعته أمام خيارات حكومية صعبة جداً، أن يقول للبنانيين ولقادتهم إنه لا يمانع في التعاون مع شخصية غير تصادمية من 14 آذار لتأليف حكومة وحدة وطنية. وفي حال تعذر ذلك فإن الوقت أمامه متاح لوضع الشروط وللحؤول دون تأليف حكومة يعتبرها خطراً عليه وعلى جمهوره.

ومعلوم أن الرئيس المكلف يعرف أيضاً أن تسمية الفريق الذي ينتمي إليه إياه لتأليف الحكومة تمّت لاعتبارات لم تنبع كلها من تأييد له. لكن رغبته في التخلص من الرئيس ميقاتي كشخص ومن حكومة “حزب الله” التي يترأسها، وفي دفع الأخير الى موقع دفاعي هي التي جعلته يوافق على الإسم الذي اقترحه حليفه الإقليمي المعروف.

إنطلاقاً من ذلك كله، يرى متابعون لأوضاع لبنان، أنه كان على سلام أن يتحرك خلال الأشهر الخمسة ونيف التي أعقبت تكليفه في كل إتجاهات الداخل، وأن يضع صيغاً حكومية وبدائل عدة لها، وأن يتوصل في نهاية المطاف الى تفاهم شبه إجماعي على حكومة تمكّن اللبنانيين من تدبير أمورهم الحياتية والخدماتية، لأنها وأي حكومة أخرى لن تستطيع ان “تشيل الزير من البير”. كما كان عليه ولا يزال التشاور مع الخارج الأقليمي الحليف في الأمور نفسها، وعدم الإكتفاء بطرح صيغة واحدة هي حكومة الـ8 + 8 + 8، أو حكومة أمر واقع تحوّلت لاحقاً حكومة واقع ثم حكومة جامعة، ولكن من دون أن يتغيّر شيء في مضمونها يدفع 8 آذار الى قبولها و14 آذار إلى اعتبار أنها تصلح في هذه المرحلة الصعبة. لكنه لم يفعل، متذرعاً بالحرص على الصلاحيات وبرفض إنتهاك الدستور وصلاحيات تأليف الحكومة التي ينص عليها. وكأن الجميع في لبنان يحترمون الدستور والقوانين والأنظمة والأعراف والمؤسسات ومصالح الناس، أو كأن في لبنان دولة منتظمة “ماشية”، رغم فراغ مؤسساتها وشلل إداراتها وتحوّل شعوبها طوائف ومذاهب بل أمماً، مثل الساعة السويسرية.

طبعاً هذا كلام يتناول الشهور الخمسة ونيف التي أعقبت تكليف سلام. لكن ماذا عن الآن والمستقبل القريب؟ وماذا يجب أن يفعل ومعه الرئيس سليمان لملء الفراغ الحكومي ولتلافي فراغ رئاسي في أيار المقبل ولعدم فرط الدولة عملياً؟

أولاً، يرى المتابعون أن على سليمان وسلام أن يتفقا على صيغة حكومية نهائية وعلى إصدار مراسيمها، وأن يتحمَّلا تبعاتها سياسياً وشعبياً. إذ تشاورا بما فيه الكفاية واتفقا أكثر من مرة، ثم تراجعا منفردين ومتفقين عن التنفيذ أكثر من مرة أيضاً، إما بسبب الخوف من ردود الفعل السلبية، وإما بسبب الرغبة في توظيف التردُّد لتسويق أفكار واقتراحات تتعلق باستحقاق وطني مهم في الربيع المقبل. وفي حال النجاح ترى الحكومة التي ستشرف على الاستحقاق المذكور النور.

ويرى هؤلاء أيضاً ان 8 آذار بزعامة “حزب الله” حيّد سليمان والزعيم الجنبلاطي باعتباره إياهما وسطيين وكأنه يفتح بذلك الباب أمام طموحات الأول، وفي الوقت نفسه أمام صيغة أخرى غير المطروحة منذ التكليف. والمقصود بها حكومة “وحدة وطنية” ينال كل من فريقي 8 و14 آذار ثلثا معطلا أو ضامناً فيها. كما يفتح الباب أمام بحث جدي وسريع، وقبل التأليف في بديل من “الثلاثية الذهبية” ومن “إعلان بعبدا” يتضمن بعضاً من كل منهما، ولكن على نحو غير محرج لهما. وكي لا ينزعج الرئيس سليمان من اعتبار الحصة الحكومية الوسطية التي هو رائدها اليوم صغيرة في حكومة 9 + 9 + 6 يمكن جعلها ثلاثينية بحيث يصبح وزراؤها 8 مع 11 لكل من 8 و14 آذار.

هل يحصل ذلك؟

لا أحد يعرف. الرئيس سليمان وعد بحكومة في مطلع “التشارين”. والرئيس سلام يؤكد أنه سيؤلف. والرئيس بري يتخوّف من أن تكون حكومة أمر واقع يثق بها فريق 14 آذار لإدارة المرحلة الحالية وربما مرحلة الفراغ الرئاسي بعد أشهر. وهي ثقة غير متوافرة في الحكومة المستقيلة. لكن ما يعرفه اللبنانيون هو ضرورة الإبتعاد عن صيغة “الوزير الملك” التي فشلت في السابق.

السابق
زراعة أنف في جبهة صيني
التالي
روحاني: تغيير أم خداع؟