مسؤولون ايرانيون اداروا عملية اغتيال رفيق الحريري

كشفت مجلة “نيويوركر” الأميركية ان قائد “فيلق القدس” في “الحرس الثوري الايراني” قاسم سليماني فتح ابتداء من العام 2001، سليماني قناة سرية مع الاميركيين، عبر دبلوماسيين ايرانيين في جنيف، عقدوا لقاءات متكررة مع الدبلوماسي الاميركي الرفيع ريان كروكر، وعملوا خلالها على تبادل المعلومات الاستخباراتية حول قوات حركة “طالبان” وحرب اميركا في افغانستان. وامتد التنسيق الايراني-الاميركي ليشمل الحرب في العراق، وليشهد عرضا ايرانيا بالمزيد من الانفتاح مع الولايات المتحدة، قبل ان ينقلب الايرانيون لاحقا، ويباشروا بتسليح وتدريب مجموعات سنية وشيعية لمواجهة القوات الاميركية.

ونقل كاتب المقالة دكستر فيلكنز عن مسؤول رفيع في “المحكمة الدولية الخاصة بلبنان” والتي اصدرت قرارا ظنيا اتهم اربعة مسؤولين في “حزب الله” بمقتل رئيس حكومة لبنان الاسبق رفيق الحريري، ان المحكمة تعتقد ان نظام بشار الاسد متورط في عملية الاغتيال كذلك، وان واحدا من خطوط الهاتف التي تم استخدامها في الجريمة تم استخدامه ايضا لاجراء اتصالات بايران، قبل وبعد الاغتيال في 14 شباط 2005.

وروى كروكر لفيلكنز انه في الايام التي تلت هجمات 11 ايلول، كانت لقاءاته المتكررة مع وفد سيلماني في سويسرا تتم بسرية مطلقة، حتى عن العاملين في وزارة الخارجية. وقال كروكر: “كنت اطير (الى جنيف) يوم الجمعة، واعود يوم الاحد حتى لا يلاحظ احد في مكتبي غيابي”، مضيفا: “كنا نسهر كل الليل وكان من الواضح لدي ان الايرانيين يأتمرون بأوامر الحاج قاسم”، وانهم كانوا حريصين على مساعدة الولايات المتحدة في القضاء على العدو المشترك، اي طالبان.

ورغم انقطاع العلاقة بين اميركا وايران منذ العام 1980، الا ان اللقاءات السرية بين الطرفين لم تفاجئ كروكر، الذي وصف سليماني بالعملاني، وقال عنه سليماني: “لا يمكنك ان تنجو من حرب ثماني سنوات (بين العراق وايران) من دون ان تكون عملانيا”. وتابع ان سليماني كان يرسل له رسائل، “لكنه تفادى دوما ان تكون مكتوبة، فالحاج قاسم اذكى بكثير من ان يترك اثرا مكتوبا وراءه للاميركيين”.

ونقل فيلكنز عن كروكر القول ان التعاون بين واشنطن وطهران امتد ليشمل المراحل الاولى من حرب افغانستان، وفي احدى المرات، زود كبير المفاوضين الايرانيين كروكر بخريطة تظهر انتشار مقاتلي الطالبان، وقال له: “هذه نصيحتنا، اضربوهم هنا اولا، ثم اضربوهم هنا، ولهذه الاسباب”. وعندما سأل كروكر نظيره الايراني ان كان بامكانه ان يدون ملاحظات، اجابه المسؤول الايراني: “بامكانك الاحتفاظ بالخريطة”.

وتابع فيلكنز ان “تدفق المعلومات” بين الولايات المتحدة وايران كان يتم باتجاهين، وفي احدى المرات، اعطى كروكر مفاوضه الايراني معلومات عن مكان وجود احد قياديي القاعدة في مدينة مشهد الايرانية، “فاعتقله الايرانيون وسلموه للسلطات الافغانية، التي سلمته بدورها للاميركيين”. وقال المفاوض الايراني لكروكر: “الحاج قاسم سعيد جدا بتعاوننا”.

واستمر التعاون الاميركي – الايراني حتى خطاب “حال الاتحاد” الذي ادلى به الرئيس السابق جورج بوش في كانون الثاني 2002، والذي وضع فيه ايران في “محور الشر”. بعد ذلك، شعر كروكر ان بلاده ذاهبة الى حرب في العراق، فحاول الافادة من ذلك بابلاغ سليماني. وقال: “لم اكن مؤيدا للاجتياح، ولكني كنت افكر اننا اذا كنا سنفعل ذلك، لنرى ان كان بامكاننا استخدامه لقلب عدو (ايران) الى صديق – على الاقل من الناحية التكتيكية – وبعد ذلك لنرى اين يمكننا ان نأخذ ذلك”. ورد المفاوض الايراني على كروكر ان الايرانيين مستعدون للحوار، وان “العراق، مثل افغانستان، جزء من الملف المسؤول عنه سليماني”.

فيلكنز كتب انه مع انهيار نظام صدام حسين في آذار 2003، “جن جنون الايرانيين، واصروا على ارسال رسائل يطلبون فيها سلاما مع اميركا، فبعد ان شاهدوا نظامين ينهاران في افغانستان والعراق، اصبحوا مقتنعين ان دورهم هو التالي”.

وعلى اثر سقوط صدام، ارسلت واشنطن كروكر ليعمل على تشكيل “مجلس الحكم الانتقالي”، وعادت المشاورات بين كروكر وسليماني، فارسل الدبلوماسي الاميركي لائحة بالمرشحين، ولم يسم ايا من الذين اعترض عليهم سليماني. “بعد ان شكلنا مجلس الحكم، انهار كل شيء”، قال كروكر، وبدأ سيلماني حملة تخريب، منتهزا الفرصة، خصوصا بعدما شعر بتراجع حظوظ اجتياح اميركي لايران.

وتابع فيلكنز ان حملة سليماني ضد اميركا تخطت الانقسام السني – الشيعي، وطلب سليماني من “رئيس استخبارات نظام الأسد ان يسهل حركة المتطرفين السنة عبر سوريا (الى العراق) ليحاربوا الاميركيين، وتم السماح بحرية الحركة للقاعدة في ايران… وفي ايار 2003 تلقى كروكر تقريرا استخباريا مفاده ان مقاتلي القاعدة في ايران كانوا يعدون لهجمات ضد اهداف غربية في السعودية… فطار الى جنيف ومرر تحذيرا الى الايرانيين، ولكن من دون جدوى، وفجرت القاعدة ثلاثة اهداف سكنية في الرياض، ما قتل 25 شخصا 9 منهم اميركيون”.

لكن خطة سليماني انقلبت عليه، على حد تعبير دبلوماسي غربي، الذي قال ان “سليماني اراد ان يستنزف الاميركيين، فوجه دعوة الى الجهاديين، لكن الامور خرجت عن السيطرة”. لكن مع ذلك: “لم تكن سياسة ايران عدائية تماما تجاه اميركا، فالبلدان كانا يسعيان لتقوية الاكثرية الشيعية في العراق. هكذا، تنقل سليماني بين مفاوضة الاميركيين وقتلهم”، حتى انه زار المنطقة الخضراء مرة، واراد الاميركيون اعتقاله، لكنهم اعتقدوا انه لا يمكنهم ذلك.

ووصف الكاتب اساليب سليماني، فنقل عن زعماء اكراد عراقيين قولهم: “من الصعب جدا علينا ان نقول لا لسليماني، فعندما نقول لا، يتسبب لنا بمتاعب، تفجيرات واطلاق نار، فالايرانيون جيراننا، وكانوا دوما هنا، وسيبقون هنا، وعلينا التعامل معهم”.

وروى فيلكنز كيف اقتحمت قوات اميركية مقر السياسي العراقي عبدالعزيز الحكيم، ووجدت عنده قائد العمليات في فيلق القدس محسن الشيرازي، واعتقلته، لكن رئيس حكومة العراق نوري المالكي طالب بتسليمه اليه، ثم افرج عنه.

وروى فيلكنز ايضا انه ابان تسلم قيادة القوات الاميركية في العراق الجنرال دايفيد بترايوس سلمه الرئيس جلال الطلباني خليويا فيه رسالة نصية جاء فيها: “عزيزي الجنرال بترايوس، عليك ان تعرف اني انا، قاسم سليماني، ادير سياسة ايران في العراق ولبنان وغزة وافغانستان”.

وعن مقتل الحريري، قال فيلكنز، ان المسؤول اللبناني كان “يسعى الى اخراج لبنان من الفلك السوري – الايراني”. ونقل عن “محقق كبير” في المحكمة الدولية قوله: “نظريتنا هي ان حزب الله ضغط على الزناد، لكنه لم يكن ليفعل ذلك من دون مباركة ودعم لوجستي من سوريا وايران”.

واضاف المحقق انه من الخطوط الخليوية التي استخدمها قتلة الحريري “تم اجراء 12 اتصالا على الاقل الى ايران، قبل وبعد الاغتيال”، وان المحققين الدوليين حاولوا، ولم ينجحوا، في اقناع اجهزة الاستخبارات الغربية بمساعدتهم، ولكن فيلكنز اضاف انه «كما تبين لاحقا، فان اجهزة الاستخبارات الغربية كانت تعلم من نفذ الاغتيال”، ونقل عن مسؤول استخباراتي غربي قوله انه “تم التنصت على احاديث عملاء ايرانيين قبل الاغتيال”، وانه “كان هناك مسؤولون ايرانيون على الخط يديرون الاغتيال”.

ونقل فيلكنز عن مسؤول عراقي قوله ان حكومة المالكي تخصص 20 مليون دولار شهريا من عائدات النفط لسليماني، وهو مبلغ يكفيه للعمل رغم العقوبات على ايران. وافاد المسؤول ان “سليماني ابلغنا انه سيفعل كل ما هو ضروري” من اجل بقاء الاسد في السلطة، «فنحن (الايرانيين) لسنا كالاميركيين، ولا نتخلى عن اصدقائنا”.

ووصف جون ماغوير الضابط في وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية (سي آي اي) سليماني بانه الرجل الاقوى في الشرق الاوسط اليوم، الا ان القليل سمع شيئا عنه.

واضاف انه حين يظهر سليماني في الاوساط العامة يحاول ان لايجتذب الانتباه اليه ونادرا مايتحدث ويتصرف بصورة تبرز شخصيته الكارزمية.

وفي الاشهر الاولى من العام 2013 كان الاسد يخسر باضطراد امام مقاتلي المعارضة، واذا سقط الأسد فان ايران ستفقد صلة الوصل مع “حزب الله”، قاعدتها المتقدمة في مواجهة اسرائيل. وفي احد الخطابات قال رجل دين ايراني: “اذا خسرنا سوريا فلن يمكننا المحافظة على طهران”.

ورغم ان الايرانيين عانوا كثيرا من العقوبات الاميركية، فان جهودهم في انقاذ الاسد لم تتأثر، وامدوه بسبعة مليارات دولار قروض لتعويم الاقتصاد السوري.

اما بالنسبة لسليماني، فان انقاذ الاسد مسألة شرف. وفي العام الماضي طلب سليماني من المسؤولين الاكراد السماح له بفتح خط امداد عبر شمال العراق الى سورية. هذه المرة رفض الاكراد الطلب علما انه لسنوات كان قائد فيلق القدس يحصل على تعاون الاكراد لتنفيذ خططه من خلال التخويف والرشوة. الاسوأ من ذلك ان رجال الاسد كانوا يرفضون القتال، و عندما يفعلون فانهم يرتكبون المجازر بحق المدنيين، ما يدفع الناس باتجاه تأييد مقاتلي المعارضة.

وقال سليماني لمسؤول عراقي ان “الجيش السوري لا يفيد. اعطوني فرقة باسيج واحدة وانا احتل البلد كله”.

وفي النهاية بدأ سليماني يطير الى دمشق بشكل متكرر بحيث يمارس سيطرة شخصية على التدخل الايراني في سورية.

ونقل فيلكنز عن مسؤول في وزارة الدفاع الاميركية قوله ان سليماني “يدير الحرب بنفسه”. ويقال انه يعمل من مبنى محصن في دمشق حيث جمع ضباطا من جنسيات متعددة يضمون قادة الجيش السوري واحد قادة حزب الله ومنسق عن ميليشيات شيعية عراقية قام سليماني نفسه بتحريكها للقتال.

نقطة التحول كانت في ابريل الماضي حين تحدث سليماني الى الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله بشأن استعادة بلدة القصير القريبة من الحدود اللبنانية والتي كانت قد سقطت بايدي المقاتلين، وطلب منه ارسال الفي مقاتل لهذه الغاية.

وقال فيلكنز ان نصر الله وسليماني صديقان قديمان كانا قد تعاونا في لبنان وفي كل انحاء العالم حيث نفذ “حزب الله” عمليات بطلب من الايرانيين. وبحسب خبير الشؤون الايرانية في معهد المشروع الاميركي ويل فيلتون، فان عناصر حزب الله طوقوا القصير، وقطعوا كل الطرق اليها ثم تحركوا نحوها. قتل العشرات منهم. كما قتل نحو ثمانية ضباط ايرانيين.

السابق
الامن مذهبي والسياسة في عهدة الازمة السورية
التالي
تصاعد القتال في سورية بين المعارضين المعتدلين ومقاتلي القاعدة