البحث في الثلاثية الذهبية وارد؟

أدرك اللبنانيون، بعد سماعهم أخيراً تصريح الرئيس المكلف تمام سلام في القصر الجمهوري، أن اعتذاره عن تأليف الحكومة بعد خمسة أشهر من تكليفه ليس وارداً. إذ أكد استمراره في مساعيه لتذليل الصعوبات والعقبات التي حالت دون نجاحه حتى الآن. وأدرك عدد من السياسيين الذين التقوه في دارته في المصيطبة بعد ذلك أنه مصمم ليس فقط على عدم الإعتذار بل على التأليف. واستشفوا منه أن تصميمه يعود إلى اتفاقه والرئيس ميشال سليمان على إنجاز المهمة ولكن في الوقت المناسب. علماً أن سياسيين آخرين يعزون التصميم نفسه إلى أمر مختلف هو إصرار “تيار المستقبل”، وحلفائه اللبنانيين فضلاً عن الحليف الاقليمي للجميع، على استمراره في بذل الجهود ريثما تنضج الظروف المؤاتية لإبصار الحكومة الجديدة النور. ولا يزعزع موقفهم هذا النفي الرسمي لأي تعاطٍ في الشأن اللبناني الذي أعلنه أخيراً سفير “الحليف” علي عواض عسيري والذي كرره على نحو غير مباشر في استقبال العيد الوطني لبلاده قبل يومين.

هل توحي تصريحات الرئيس المكلف سلام والأطراف السياسيين في البلاد أن اختراقاً مهماً على صعيد تأليف الحكومة قد يتحقق؟

لا يبدو ذلك. فسلام لا يزال متمسكاً بما يسمى حكومة 8 + 8 + 8 (أي الثلاث ثمانيات)، ويرفض الثلث المعطِّل الذي يعتبره فريق 8 آذار ضامناً، ويصِرّ على المداورة في توزيع الحقائب.

و”حزب الله” أعلن مساء أول من أمس بلسان أمينه العام السيد حسن نصرالله، ولمناسبة انتهاء “الأمن الذاتي” في الضاحية الجنوبية للعاصمة وبدء الأمن “الدولتي” إنطلاقاً منها، تمسُّكه بتمثيل 8 و14 آذار كل بنسبة حجم تمثيله في مجلس النواب. وحلفاؤه يعلنون يومياً التمسك بما رفضه سلام ولا يزال يرفضه. ولا يبدو ذلك أيضاً لأن أحداً من متابعي الأوضاع اللبنانية لا يلاحظ وجود مفاوضات جدية بين أطراف الصراع السياسي في البلاد ومع الرئيس المكلف بغية التوصل الى تفاهم فحكومة أو خلاف غير قابل للحل فاعتذار أو بقاء، ولكن مع ارتفاع درجة الحماوة سياسياً على الأقل. فهل يظن الرئيس المكلف أن الإنتظار سيقنع 8 آذار بشروطه؟ وهل يظن 8 آذار أن الإنتظار نفسه سيقنع سلام بشروطه؟ وهل يظن 14 آذار أن الإنتظار سيحقق الأمر نفسه؟ والجواب هو كلا. فكل منهم ينتظر شيئاً ما يختلف عما ينتظره الآخر.

لكن ما يلاحظه اللبنانيون أن رئيس مجلس النواب نبيه بري يحاول، وبمساندة من الزعيم الدرزي الأبرز النائب وليد جنبلاط، باقتراحات معينة إخراج الازمة الحكومية من الطريق المسدود. وفي هذا الإطار كانت مبادرته التي خاف منها سلام لأنها تشترط حواراً قبل تأليف الحكومة، ولأن كل موضوع خلافي بين اللبنانيين يحتاج الى أشهر حوار للتفاهم عليه، هذا إذا توصل الافرقاء كلهم الى تفاهم.

إلى أين من هنا؟

لا أحد يعرف تماماً. فرئيس الجمهورية قال إنه لن يترك الرئاسة في أيار المقبل قبل أن يؤلف حكومة. ويعزو العارفون موقفه الى حرصه على عدم ابقاء سدة الرئاسة في حال عدم انتخاب خلف له في يدي حكومة تصريف أعمال. وذلك يعني أن لبنان قد يبقى بلا حكومة حتى ذلك التاريخ. ويعتقد متابعون أن حكومة ما قبل انتهاء الولاية قد تكون حكومة أمر واقع يرفضها 8 آذار، أو حكومة استثنائية كتلك التي كان يؤلفها في الماضي الرؤساء الموارنة قبل انتهاء ولايتهم تلافياً للشغور، وكانت عادة برئاسة ماروني. وأي من الإثنتين يمكن أن تفتح الباب لما حصل عند انتهاء ولاية الرئيس امين الجميل أي لولادة حكومتين، ولتفاقم عدم الإستقرار السياسي وأي عدم استقرار آخر.

هل تكمن المشكلة فقط في تشكيل الحكومة؟

صعوبات تشكيلها وعقباتها كثيرة وكبيرة. لكن صعوبات ما بعد التشكيل وعقباتها أكثر وأكبر، لعل أهمها البيان الوزاري وخصوصاً “الثلاثية الذهبية” أي الجيش والشعب والمقاومة. وتفيد معلومات الثنائية الشيعية “أمل” – “حزب الله” أنها مستعدة لبحث جدي وموضوعي في هذه “الثلاثية” مع الرئيس المكلف والأطراف الآخرين. ويتمنى أصحابها أن يلتقط سلام ورئيس الجمهورية هذا الاستعداد ويختبروا جديته لأن البلاد لا تحتمل فراغاً حكومياً مستمراً في أوضاع داخلية واقليمية صعبة، ولا فراغاً رئاسياً لا سمح الله. علماً انه سيبقى فراغاً وإن ملأه تمديد ما.

السابق
أوباما: ثقوا أننا سنعمل لدعم لبنان
التالي
اعتداء على الهيئة التعليمية في مدرسة البداوي الرسمية